رحلة مع النسب الزكي
محمد صلى الله عليه وسلم
وأما شرف نسبه وكرم بلده منشئه فمما لا يتحاج إلى إقامة دليل عليه ولا بيان مشكل ولا خفي منه ، فإنه نخبة بني هاشم ، وسلالة قريش وصميمها ، وأشرف العرب ، وأعزهم نفراً من قبل أبيه وأمه ومن أهل مكة من أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده [1] .
فهو صلى الله عليه وسلم النبي العربي الأمي الأبطحي الحرمي الهاشمي القرشي ، نخبة بني هاشم ، المختار المنتخب من خير بطون العرب وأعرقها في النسب ، وأشرفها في الحسب ، وأنضرها عوداً ، وأطولها عموداً ، وأطيبها أرومة ، وأعزها جرثومة ، وأفصحها لساناً ، وأوضحها بياناً ، وأرجحها ميزاناً ، وأصحها إيماناً ، وأعزها نفراً ، وأكرمها معشراً .[2]
هو سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم :
أبو القاسم محمد ، وأحمد ، والماحي الذي يُمحى به الكفر ، والحاشر الذي يحشر الناس ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ، والمقفي ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ابن عبد الله .[3]
وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة ، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك .[4]
ونسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء :
· جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب ، وهو الجزء الذي يبدأ منه صلى الله عليه وسلم ويتنهي إلى عدنان .
· وجزء آخر كثر فيه الإختلاف ، حتى جاوز حد الجنع والائتلاف ، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلام فقد توقف فيه قوم ، وقالوا : لا يجوز سرده ، بينما جوزه آخرون وساقوه . ثم اختلف هؤلاء المجوزون في عدد الآباء وأسماؤهم ، فاشتد اختلافهم وكثرت أقولهم حتى جاوزت ثلاثين قولاً ، إلا أن الجميع متفقون على أن عجنان من صريخ ولد إسماعيل عليه السلام .
· أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلام وينتهي إلى آدم عليه السلام ، وجل الإعتماد فيه على نقل أهل الكتاب .
أما الجزء الأول :
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – واسمه شيبة – بن هاشم – واسمه عمرو – بن عبد مناف- واسمه المغيرة – بن قصي – واسمه زيد – بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر – وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة – بن مالك بن النضر – واسمه قيس – بن كنانة بن خزيمة بن مدركة – واسمه عامر – بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وهذا النسب المُساق إلى عدنان لا مرية فيه ولا نزاع ، وهو ثابت بالتواتر والإجماع ، ولا خلاف بين اهل النسب وغيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ، وهو الذبيح على قول الصحابة والأئمة .[5]
والجزء الثاني :
ما فوق عدنان ، وعدنان هو ابن ادد بن الهميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبي عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيج بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد أبن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزي بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن اسماعيل بن ابراهين عليهما السلام .
والجزء الثالث :
ما فوق إبراهيم عليه السلام ، وهو تارح – واسمه آرر – بن ناحور بن ساروع – أو ساروغ – بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ – يقال : هو إدريس النبي عليه السلام – بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم – عليهما السلام . [6]
مناقب نسبه صلى الله عليه وسلم :
من مناقب ومكارم هذا النسب الذكي وطيب أصله هو شهادة أعداء الرسول بذلك قبل أصحابه .
فها هو أبي سفيان قبل أن يسلم ، وكان من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين [7] في حديثه مع هرقل عظيم الروم :
فسأله هرقل : كيف نسبه فيكم .
فقال : هو فينا ذو نسب .[8]
قال السيوطي في قوله ذو نسب : التنكير فيه للتعظيم ، وفي رواية ابن اسحاق : " قلت : في الذروة " ، وهي بكسر المعجمة وسكون الراء : أعلى ما في البعير من السنام ، فكأنه قال : هو من أعلانا نسباً .[9]
وها هو الصحابي الجليل جعفر بن ابي طالب يقول للنجاشي :
كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ... "[10]
وقال بن عباس : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده . [11]
فكان نسبه صلى الله عليه وسلم أشهر من نار على علم ، من أشرف أشراف العرب ، فأشرف القوم قومه ، وأشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه صلى الله عليه وسلم ، بشهادة أعداؤه قبل أصحابه .
ولم يُشكك أو يعترض على هذا الأمر أحداً ، فهو راسي وثابت ثبوت الجبال الشوامخ .
كان صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين :
أنا النبي لا كذب ، أنا بن عبد المطلب .[12]
وقال صلى الله عليه وسلم :
خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي و أمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء [13] .
وقال صلى الله عليه وسلم :
إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم .[14]
وقال أيضاً :
بُعثتُ من خير قرون بني آدم قرناً ، فقرناً ، حتى بُعثتُ من القرن الذي كنت فيه .[15]
صل الله على محمد صلى الله عليه وسلم .
_______________________________________
[1] الشفاء ج 1 ص 107 .
[2] المواهب اللدنية ج 1 ص 48 .
[3] الفصول في سيرة الرسول ص 83 .
[4] زاد المعاد ج 1 ص 26 .
[5] الفصول في سيرة الرسول ص 87 .
[6] الرحيق المختوم 63 ، 64 . وأنظر سيرة بن هشام ج 1 ص 39 . الفصول ص 87 . أسد الغابة ج 1 ص 121 . البداية والنهاية ج 3 ص 353 . الروض الأنف ج 1 ص 25 . الكامل في التاريخ ج 1 ص 549 . الطبقات الكبرى ج 1 ص 4 . تاريخ الطبري ج 2 ص 239 . المواهب اللدنية ج 1 ص 48 . زاد المعاد ج 1 ص 26 . عيون الأثر ج 1 ص 73 . شرح السنة ج 13 ص 193 .
[7] أنظر ترجمته رضي الله عنه في أسد الغابة ج 3 ص 9
[8] أخرجه البخاري 1 : ك : بدء الوحي ب : 6 ح : 6 ب ح 7 - ج 1 ص 7.
ومسلم في 32 : ك : الجهاد والسير 26 : ب : كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام ح 1773 ج 6 ص 117 بشرح القاضي عياض .
وأحمد في مسنده ج 1 ص 261 ح 2307 .
[9] التوشيح ج 1 ص 154 .
[10] مسند أحمد ج 5 ص 209 ح 22551 ، وقال الأرنوؤط إسناده حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسحاق .
[11] الطبقات الكبرى ج 1 ص 8 . دلائل البيهقي ج 1 ص 185 .
[12] البخاري 64 : ك : المغازي ب : 54 ح 4315 ج 3 ص 137 .
ومسلم 32 : ك : الجهاد والسير 28 : ب : غزوة حنين ح 1776 ج 6 ص 130 بشرح القاضي عياض .
والبغوي في شرح السنة ج 14 ص 32 ، وقال هذا حديث صحيح .
والترمذي 24 : ك : الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 15 : ب : ما جاء في الثياب عند القتال ح 1688 ج 4 ص 199 ، وصححه الألباني .
والنسائي 78 : ك : السير 43 : ب : الحمل على العدو ح 8638 ج 5 ص 191 .
وأحمد في مسنده ج 4 ص 304 ح 18728 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وأنظر كلام القاضي عياض في إكمال المعلم حول قوله صلى الله عليه وسلم ج 6 ص 130 .
[13] الجامع الصغير 5534 – حسن ، صحيح الجامع 3223 .
[14] مسلم 43 : ك : الفضائل 1 : ب : فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ح 2276 ج 7 ص 236 بشرح القاضي عياض .
والترمذي 50 : ك : المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 : ب : في فضل النبي صلى الله عليه وسلم ح 3606 ج 5 ص 583 ، وصححه الألباني .
والبغوي في شرح السنة ج 13 ص 193 .
[15] صحيح البخاري 61 : ك : المناقب 23 : ب : صفة النبي صلى الله عليه وسلم ح 3557 ج 2 ص 395 .
الطبقات الكبرى ج 1 ص 9 .
تعليق