بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن خطى اليهود نحو بناء هيكلهم مسرعة, وكأنما يستعجلون زوالهم المحتوم الذي لا يشكون فيه, بل هم يؤمنون بحتمية زوالهم ربما أكثر من بعض المسلمين وبالرغم من ذلك يصرون على التجبر والتكبر والكفر والطغيان, يهدمون المساجد ويرهبون العُـبّاد في خلواتهم, يقتلون الأم والجنين, ويسفكون الدم الطاهر كل وقت وحين, حتى أضحى الأبرياء من المؤمنين, بين جريح وقتيل وأرملة ويتيم وسجين.
تمسك اليهود كعهدهم بحبل الناس, فمهما طال بهم انقطع وإن بزغ نجمه وسطع, وإن زادت قوته ورتع, فلابد من حبل الناس أن ينقطع ويبقى حبل الله المتين وصراطه المستقيم وطريقه القويم, سبيل المرسلين واتباعهم من المؤمنين.
صب اليهود على أبرياء المؤمنين الرصاص صباً فأذابوا العظام تحت الجلود, وتحالفوا مع من تحالفوا فوضعوا السدود, شددوا الحصار وخنقوا الأمصار, وأشعلوا العداوة والبغضاء بين الإخوة في الأقطار, نشروا الفساد, وأفشوا الخنا والزنا في العباد, عن طريق آلتهم الإعلامية الضخمة التي التفت حول الأرض مثل الأفعى تغير من توجهات العباد وسولكياتهم بما يخدم يهود ومطامع إسرائيل, فلعنة الله على كل خائن, ونسأل الله الهداية لكل جاهل مغبون مستغفل.
ما من بقعة على الأرض فيها دم مسفوك أو فتنة طاعنة إلا ولليهود فيها سهم ضارب, عثوا في الأرض فساداً حتى اشتكى الإنس والجن والجماد والطير والحيوان من نجاستهم وغلهم وحقدهم على العباد.
إن إصرار اليهود على تخريب المسجد الأقصى بعمل الأنفاق من تحته لهدم أركانه, ثم بناءهم لكنيس الخراب ووضعهم حجر الأساس لهيكلهم المزعوم, هو سقف تطلعاتهم, ولكن الله غالب على أمره؛ فكنيسة الخراب هذه إن شاء الله هي بداية الخراب الفعلي لدولة اليهود النجسة, وسبحان من جعل تسميتهم لكنيسهم مطابق مع رؤى دنيال في أسفارهم وذكره لنهاية إسرائيل (رجسة الخراب) والتي سنفصل في ذكر ما ورد فيها ولكن قبل ذلك لابد من بيان دور الفرد والأمة الإسلامية أمام هذا الطوفان الجامح من الشر والطغيان الغير محدود.
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ **** في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى **** وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته **** ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ **** تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ **** شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقَى إليها السَّامريُّ بعجله **** وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه **** سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها **** مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها **** فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها **** وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها **** بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا إِبنٍ ولا **** جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة **** وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها **** ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما **** برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا **** وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا: **** ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله **** وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ **** للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا **** متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم **** وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم **** لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً **** لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم **** أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا **** كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ **** منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ **** والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته **** أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ **** للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها **** نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي **** قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها **** ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
على الأمة اليوم إزاء تسارع الأحداث أن تفيق من غفوتها وأن تتسلح بأسلحتها التي ميزها الله بها عن غيرها سلاح الإيمان والاعتصام بحبل الله والاجتماع وعدم التفرق وسلاح الحديد والنار ببث الدعوة في جيوش الأمة بقيادة العلماء الأجلاء وإعداد الأمة من جديد بلا يأس ولا تثبيط.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} قيل {بِحَبْلِ اللّهِ} أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} أي بعهد وذمة وقيل {بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ} يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعا في صفة القرآن «هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم». وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أسباط بن محمد عن عبد الملك بن سليمان العزرمي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض». وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه»، وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك وقال وكيع حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين: "يا أبا عبد الله هذا الطريق هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن". وقوله " ولا تفرقوا " أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة . وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضا . وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقوله تعالى " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا "أ هـ
وقال تعالى: {وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقوله {وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ} أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال تعالى {اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } " وقوله{هُوَاجْتَبَاكُمْ} أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا فالصلاة التي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربع وفي السفر تقصر إلى اثنتين وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة كما ورد به الحديث وتصلى رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالسا فإن لم يستطع فعلى جنبه إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ولهذا قال عليه السلام « بعثت بالحنيفية السمحة » وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن « بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا» والأحاديث في هذا كثيرة ولهذا قال ابن عباس في قوله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} يعني من ضيق وقوله {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} قال ابن جرير نصب على تقدير " ما جعل عليكم في الدين من حرج" أي من ضيق بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم قال ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم " قلت " وهذا المعنى في هذه الآية كقوله { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} الآية وقوله { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا} قال الإمام عبد الله ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله " هو سماكم المسلمين من قبل" : قال : الله عز وجل" أ هـ
إذن على الأمة أن تجتمع على شرع الله المطهر كتاباً وسنة وأن تجتب الفرقة والخلاف وان تعمل لدين الله لترتيب الصفوف وتعبئة الجند المسلم تحت قيادة العلماء وأن يلتحم المسلمون وأن تمتد كلمة العلماء لتطال الحاكم والمحكوم ولا يكون ذلك إلا بالدعوة الصادقة والصبر عليها ولم يعد هناك مجال للتكاسل والتراخي .
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
قال ابن كثير: "يقول عز وجل {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي دعا عباد الله إليه " وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك" أ هـ.
إن رياح التغيير لابد أن تتسارع لأنه لا سبيل إلا التغيير حتى يتأتي النصر ولكن ما هو التغيير؟
قال تعالى :{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 11].
قال القرطبي: "أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير, إما منهم أو من الناظر لهم, أو ممن هو منهم بسبب; كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم, إلى غير هذا من أمثلة الشريعة; فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب, بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير; كما قال صلى الله عليه وسلم : « يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ، قالت : قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا ظهر الخبث »
[الراوي: عائشة] [المحدث:الألباني] - [المصدر: صحيح الترمذي]
إذًا فترك المعاصي والبدع المحدثات ومتابعة الرسول وتغيير النفس ليكون هواها منقادا ً تابعاً لمراد الله ومراد رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم .
وهنا يتبقى الدور الأخير والمكمل لنصر الأمة وهو قوله تعالى: {وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
قال القرطبي: " وأعدوا له " أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى . فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب , كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ . وكل ما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك . قال ابن عباس : القوة هاهنا السلاح والقسي . وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول :« وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ». وهذا نص رواه عن عقبة أبو علي ثمامة بن شفي الهمداني , وليس له في الصحيح غيره . وحديث آخر في الرمي عن عقبة أيضا قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه » . وقال صلى الله عليه وسلم : « كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنه من الحق » . ومعنى هذا والله أعلم : أن كل ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده في العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل , والإعراض عنه أولى . وهذه الأمور الثلاثة فإنه وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط, فإنها حق لاتصالها بما قد يفيد, فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون القتال . وملاعبة الأهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد الله ويعبده, فلهذا كانت هذه الثلاثة من الحق . وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومنبله ». وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين , ونكايته شديدة على الكافرين . قال صلى الله عليه وسلم : « يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا » . وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية . وقد يتعين .
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
يعني تخيفون به عدو الله وعدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب . أ هـ
وأختم ببشارات واضحة لابد أن تستعد الأمة معها لترى ربها منها ما يرضيه؛ فرجسة الخراب إسرائيل كما هو ثابت في كتبهم وفي رؤى أنبيائهم نهايتها قد اقتربت بل لعل مسمى كنيس الخراب بهذا الاسم المطابق لما في التوراة أدل بيان على اقتراب الوعد الحق ونهاية إخوان القردة والخنازير وفيما يلي نقل لما يؤيد هذه المعاني:
وصف رجسة الخراب:
يسرد العلامة سفر الحوالي في كتابه يوم الغضب وصف رجسة الخراب من نبوءات دانيال في كتابهم المقدس وإليك طرفاً منها : ( أرجو من القارئ أن يميز بين رجسة الخراب وبين معاونها القوي الذي يوصف دائما بأنه يكسر بغير يد, وسيأتي في النهاية بيان إهلاكه بالريح العاتية إن شاء الله).
ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير وعظم جداً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي، وتعظم حتى إلى جند السماوات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم، وحتى إلى رئيس الجند تعظم، وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن (بيت) مَقْدِسِه وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح'.
قال دانيال: 'فسمعت قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوس واحد لفلانٍ المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء. فيتبرأ القدس'.
وفي الطبعة الكاثوليكية: 'إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح ثم تُرد إلى القدس حقوقه'.
وهكذا طلب دانيال من المَلَك أن يعبر الرؤيا، فخاطبه قائلاً: 'يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى... هأنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط؛ لأن الرؤيا لميعاد الانتهاء، أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتيس العافي مُلْك اليونان، والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول، وإذا انكسر وقام أربعة عوضاً عنه، فستقوم أربع ممالك من الأمة ليس في قوته،[18] وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته، يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين، وبحذاقته ينجح -أيضاً- المكر في يده، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر، فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق، أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيامٍ كثيرة'.
ويختم الحديث عن تلك الأحداث بقيام الساعة وبعث الأموات ويوصي دانيال قائلاً: 'أما أنت يا دانيال، فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية'.
وعندها يقول دانيال: 'وأنا سمعت وما فهمت، فقلت: يا سيدي! ما هي آخر هذه؟ فقال: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية... من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرِّب (وفي ترجمة أخرى: شناعة الخراب) ألف ومائتان وتسعون يوماً، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح...'.
وانتهى السفر واستراح دانيال ولاسيما وقد اطمأن إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد 45 سنة!!
إن ما تقدم هو عرض موجز لأهم النبوءات في الكتاب المقدس كله -نبوءات دانيال- ومنه نلحظ أموراً كثيرة، منها:
1 - زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن القرن الصغير فهو ماكر محتال زنديق لا يقوم بقوته بل بالاعتماد على غيره، وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم الأنبياء، فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس رؤسائهم ( الخليفة ) بلا جيش، وأخبث أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده، ويبطل الصلاة،[19] ويهدم بيت الله فيها، ويقيم فيها دولته الموصوفة بـ(الرجس المخرِّب).
2 - هذا القرن الصغير يفعل ذلك في أيام سلطان المملكة الأخيرة - مملكة القديسين - لا في أيام فارس والروم.. وقيام دولة الرجس لا يدل على انقضاء تلك المملكة الأبدية، وهذا ما أكده السفر مراراً، وإنما هو حدث عارض محدود المدة والمكان، فهو ليس من جنس ما في رؤيا التمثال حيث تسقط مملكة وتقوم أخرى مكانها، ولا من جنس ما في رؤيا الحيوانات الأربعة حيث يتغلب واحد ضخم هائل على الأخرى. لا، لاشيء من ذلك، فهذا قرن صغير، ومجال سيطرته محدود، لكن مكره كبير ودهاؤه عظيم ووراءه قوة عظمى تمده، ويصادف ذلك حالة ضيق شديدة [أشار إليها دانيال (12: 1)] وضعف شديد لدى شعب القديسين، لكن الضيقة تـزول والقديسون ينتصرون من جديد، ويفرحون بيوم زوال رجسة الخراب وتطهير القدس منها.
إن هذا القرن الصغير الخبيث المفسد يهدم ويقيم، يهدم بيت قدس الله ويقيم الرجسة مكانه، ومن هـنا قال بعض شراح أهل الكتاب: إن الرجسة هي صنم يقوم في الهيكل، وبالأصح هيكل يقام في المسجد وليس هذا الخلاف في معنى الرجسة مؤثراً؛ لأنه لا يقام بناءٌ أجنبيٌّ عدوٌ في معبد أمة ما إلا بجند وسلطة، فالرجس مدلوله عام وخاص، العام: قيام الدولة الرجسة نفسها، والخاص: بناؤها للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه!! كما أن إزالة الصنم من بيت الله لا تكون إلا بجند وسلطة.
هكذا فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فتح مكة، وهكذا سيفعل أتباعه إذا دخلوا المسجد ووجدوا فيه بناءً رجساً لدولة الرجس!! ومعابد اليهود وأهمها الآن كنيسة الخراب هي الأصنام الجديدة التي سيبيدها أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا ريب ولهذا كان أكثر الشراح لا يرتابون في أن قيام الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على أرض القدس، ولكن ما هي هذه الدولة؟!
الأمم الثلاث التي تعظم القدس كل منها قد أقام دولته عليها، أو فتحها وغلب عليها، ولا شك أن واحدة منها هي الرجسة المقصودة بالذات في هذه النبوءات دون الأخريين.
إن التوراة كلها - وليس سفر دانيال وحده - تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة، وتبدئ وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من الأمثال والاستعارات والمجازات، ما بين تكرار وإسهاب واختصار.
أما الصفات المذمومة فلا حصر لها، إنها تشمل كل خلق ذميم بلا استثناء، إلا أن وصفاً واحداً - يتكرر كقافية الشعر العربي - في كل سفر، مما يدهش قارئ التوراة أياً كان، ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن يكون أبعد الأوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله المختار استناداً إلى هذا الكتاب نفسه، هذا الوصف هو: النجاسة، وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث، ومعصرة الوحشية والعنف، ممزوجة بالغدر والصلف، نجاسة ذاتية لا يطهرها شيء..
'إنك لو اغتسلت بالنطرون، وأكثرت من الأشنان، لا تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب: كيف تقولين لم أتنجس؟'. 'خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة،.وفي الترجمة الأخرى: (رجسة)' .
وهي نجاسة زانية: 'دنست الأرض بزناها' أرمياء 3: 2) 'بل تحت كل شجرة خضراء زنت -وليس مع فاجر واحد- بل زنت مع أخلاء كثيرين (ن.م) لا؛ بل: زنت مع الحجر ومع الخشب'.
وقضى الله أن لا تطهر من نجاستها أبداً. 'إن في نجاستك فجوراً لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي' ( .
ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له: 'إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها فأعطيتها كتاب طلاق'.
وسبب هذه العقوبة واضح متكرر. 'تدنست الأرض تحت سكانها؛ لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي فلذلك أكلت اللعنة الأرض!!'.
هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول: 'وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم، ولم تعمل بها، تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك؛ فتكون ملعوناً في المدينة، وملعوناً في البرية، وتكون ملعونة سلتك ومعجنك، وملعوناً ثمر بطنك وثمر أرضك ونتاج بقرك وغنمك، وتكون ملعوناً أنت في دخولك، وملعوناً أنت في خروجك، يرسل الرب عليك اللعنة والاضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما تصنعه، حتى تبيد وتهلك سريعاً بسبب سوء أعمالك بعدما تركتني'.
وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات في أسلوب لا نظـير له، ثم تختتم قائلاً: 'هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى تبيد، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية وخارقة وفي نسلك للأبد'.
وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة؛ فإن الخزي قرينها 'كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم'.
ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من أسفل، ولذلك قال أشعياء في سفره: 'أنا مقيم بين شعب نجس الشفاه'.
وحتى بعد موتهم وطردهم من الأرض المقدسة تلاحقهم النجاسة، ففي عاموس : 'على بيت إسحاق، هكذا قال الرب: إن امرأتك تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف، وأرضك تقسم بالحبل، وتموت أنت في أرض نجسة، وإسرائيل يطرد من أرضه طرداً'.
لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر الأمم نجاسة في التاريخ: 'صار إثم بنت شعبي أورشليم أعظم خطيئة من سدوم التي قُلِبت في لحظة ولم تمد إليها يد'.
' إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك' .
ومن أعظمها: الوحشية والإفراط في سفك الدم؛ ولهذا فحين يسأل حزقيال ربه 'أتهلك جميع بقية إسرئيل في صب غضبك على أورشليم ؟'.
يقول الرب: 'إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماءً، وامتلأت المدينة انحرافاً' 9: 8، 9).
وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى الصهيونية وكأنه يتحدث عن الانتفاضة المعاصرة: 'سفكوا في وسطها دم الأبرار، تاهوا كعميان في الشوارع، تلطخوا بالدم حتى لم يطق أحد أن يلمس ملابسهم، نادوهم: تنحوا، هناك نجس، تنحوا تنحوا ولا تلمسوا'.
• نهاية إسرائيل يوم غضب الرب:
كيف يحل يوم غضب الله وتنـزل العقوبة على دولة الرجس والظلم والعدوان "إسرائيل"؟!
تُحدثنا الأسفار بوضوح عن هذه الأمور:
1- صفات الجيش المنتصر.
2- انهيار الجيش الصهيوني.
3- مصير الحلفاء الاستراتيجيين للدولة الصهيونية .
وفي ثنايا كل سياق تتكرر أسباب العقوبة والخراب:
'الشرك بالله والكفر برسله والتمرد على أمره، سفك الدم البريء، والظلم والعدوان، المكر والغش والغدر، الفواحش، اضطهاد البائس والأرملة' ...إلخ.
يبدأ الزمن الجديد بإعلان الجهاد، والمرجو أن تكون هذه الانتفاضة هي بدايته، فإن لم تكن فهي بلا شك تمهيد له. فلابد أن يعلن وأن تسقط الشعارات الأخرى.
لقد وضع ناشرو الكتاب المقدس عنوان (الزمن الجديد ويوم الرب) لما جاء في سفر يوئيل عن تصور هذا اليوم العظيم، الذي يبدأ بأن يتداعى جند الله للجهاد -بل إن السفر نفسه يدعو ويحض-، ولأنه في الغالب جهاد شعوب لا تملك الطائرات والعتاد الثقيل؛ بل أكثرهم لا يملك من الحديد إلا أدوات الفلاحة، ولأن بعضهم أو أكثرهم من شعوب فقيرة، اصطلت بنير الاحتكار الرأسمالي والربا اليهودي والتسلط الاستبدادي والحصار الأمريكي.. وفيهم ضعاف البنية، ويداخلهم لأجل ذلك شيء من التخوف، فالعدو جيش نووي قوي، ووراءه بالطبع قوى عالمية حاشدة؛ لأن ذلك كله واقع تأتي البشرى لتنفض الوهن وتشحذ العزائم: 'أعلنوا حرباً مقدسة
وأنهضوا الأبطال
وليتقدم رجال القتال ويصعدوا
اطرقوا محاريثكم سيوفاً
ومناجلكم رماحاً
وليقل الضعيف: إني بطل
أسرعوا وهلموا
يا جميع الأمم من كل ناحية
واجتمعوا هناك' .
هكذا: جهاد وتوكل، إعداد بحسب الاستطاعة، لا استجداء للسلاح من أعداء الله.
أما سفر أرمياء فيحث على مسابقة الزمن وتدمير دولة الترف ومجتمع العنف: 'أعلنوا عليها حرباً مقدسة
قوموا نصعد عند الظهيرة
ويل لنا فإن النهار قد مال
وظلال المساء قد امتدت
قوموا نصعد في الليل
ونهدم قصورها
فإنه هكذا قال رب القوات
اقطعوا خشباً واركموا على أورشليم مردوماً
هذه هي المدينة التي ستفتقد
التي ليس فيها إلا ظلم
كما أن البئر تنبع مياهها
فكذلك هي تنبع شرها
فيها يسمع بالعنف والنهب
وأمامي كل حين مرض وضربة
هوذا شعب مقبل من أرض الشمال
وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض
قابضون على القوس والحربة
قساة لا يرحمون
صوتهم كهدير البحر
وعلى الخيول راكبون مصطفون
كرجل واحد للمعركة
ضدَّكِ يا بنت صهيون'.
ولأن السؤال يظل وارداً بإلحاح: أين الجيش الذي لا يقهر؟ أين جيش الخراب المتسمي بجيش الدفاع؟! يجيب سفر أشعياء جواباً قطعياً مختوماً ناسخاً لا منسوخاً. [28]
بأن الرب ناداه: 'فهلمّ الآن واكتب ذلك على لوح أمامهم
وارسمه في سفر
ليكون لليوم الأخير
دائماً وللأبد!
بما أنكم نبذتم هذه الكلمة
وتوكلتم على الظلم والالتواء!
واعتمدتم عليها
لذلك يكون هذا الاثم لكم
كصدع يحصل فيتضخم في سور عالٍ ( لاحظ كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
فيحدث انهدامه بغتة على الفور
فينهدم مثل إناء الخزّافين
الذي يسحق بغير رفق
فلا يوجد في مسحوقه شقفة
لأخذ نار من الموقد!!
أو لغرف ماء من الجب!! ( لاحظ النار وماء الجب : وراجع تركيب السور الفولاذي المبني على حدود غزة )
......................
ألف معاً تجاه تهديد واحد!!
وتجاه تهديد خمسة تهربون!!
حتى تتركوا كسارية على رأس الجبل
وكراية على التلة'.
ويؤكد سفر عاموس ذلك: 'قد أتت النهاية لشعبي إسرائيل
فلا أعود أعفو عنه
فتصير أغاني القصر ولوالاً
في ذلك اليوم، يقول السيد الرب
وتكثر الجثث
وتلقى في كل مكان بصمت'.
أما صفات المجاهدين وبسالتهم فيرسمها يوئيل في صورة بيانية بديعة: -'كما ينتشر الفجر على الجبال
شعب كثير مقتدر
لم يكن له شبيه منذ الأزل
ولن يكون له من بعد
إلى سني جيل وجيل
...................
قدامه النار تأكل
وخلفه اللهيب يحرق
قدامه الأرض كجنة عدن
وخلفه قفر وخراب
ولا ينجو منه شيء
كمنظر الخيل منظره
ومثل الفرسان يسرعون
كصوت المركبات
على رءوس الجبال يقفزون
كصوت لهيب النار الآكلة القش
وكشعب مقتدر مصطف للقتال
من وجهه يرتعد الشعوب
وجميع الوجوه قد شحبت
كالأبطال يسرعون
وكرجال الحرب يتسلقون السور ( لاحظ كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
وكل منهم يسير في طريقه
ولا يحيد عن سبله
ولا يزاحم أحد أخاه
بل يسيرون كل واحد في طريقه
ومن خلال السهام يهجمون
ولا يتبددون
يثبون إلى المدينة
ويسرعون إلى السور ( لاحظ تكرار كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
ويصعدون إلى البيوت
ويدخلون من النوافذ'.
ويصفها أشعياء هكذا:
'فيرفع راية لأمة بعيدة
ويصفر لها من أقصى الأرض
فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة
ليس فيها منهك ولا عاثر
لاتنعس ولا تنام
ولا يحل حزام حقويها
ولا يفك رباط نعليها
سهامها محددة
وجميع قسيها مشدودة
تحسب حوافر خيلها صواناً
ومركباتها إعصاراً
لها زئير كاللبؤة
وهي تـزأر كالأشبال
وتزمجر وتمسك الفريسة
وتخطفها وليس من ينقذ
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر
وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق
وقد أظلم النور في غمام حالك' [29]
أما الأسرى الصهاينة فتحدد الأسفار مصيرهم هكذا:
في سفر التثنية: 'ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها، فتباعون هناك لأعدائك عبيداً وإماءً وليس من يشتري'.
ويوضحه ما في أرمياء: 'هأنذا أحاكمك على قولك لم أخطئ.. إنك تخزين من مصر كما خزيت من آشور ' 'أعبدٌ إسرائيل أم هو مولود بيت، عليه زأرت الأشبال، وأطلقت أصواتها، وجعلت أرضه دماراً، ومدنه احترقت بلا ساكن فيها وبنو نوف وتحفنحيس -مدينتان مصريتان معروفتان في ذلك الوقت- أيضاً حلقوا هامتك'.
لاشك أن المجاهدين سيكونون من كل بلاد الإسلام، ولكن التبكيت والخزي بـمصر له دلالته، فهي التي أخرجوا منها أول عهدهم حين أنجاهم الله من العبودية لآل فرعون، والآن بسبب ردتهم -التي صرح بها السفر مراراً- سيعادون إليها عبيداً، لكن لا أحد يشتري هذه المرة..! لماذا..؟ لأنهم رجس..!
فهم يحملون في أبدانهم فيروسات الإيدز، ويحملون في قلوبهم الحقد والغدر، فلا يريدهم أحد، ولو عبيداً وإماءً.
وفي الاتجاه المقابل وفيما يشبه النفخ في الصور يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم، ويتداعى المسلمون بعد المعركة الكبرى والنصر العظيم إلى الأرض المباركة للزيارة والاعتكاف، ولاسيما من العراق ومصر.
يقول أشعياء : 'في ذلك اليوم يدوس الرب قمحه من مجرى النهر إلى وادي مصر، وأنتم تلقطون واحداً فواحداً يا بني إسرائيل.
وفي ذلك اليوم ينفخ في بوق عظيم ويأتي الهالكون في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في جبل القدس في أورشليم '.
أما العراق فلأن الله قد فك عنهم الحصار الذي أهلكهم وأجهدهم!
وأما مصر فلأنها تشعر بالحرج البالغ بسبب كامب ديفيد!
أما مصير الحليف الاستراتيجي فقد سبق ما يمهد لـه في الكلام عن نبوءة دانيال، فهناك اتفقنا نحن وهم على أن الامبراطورية الرومانية الجديدة هي ذلك الحليف، ولكن لأن الذين كتبوا عن النبوءات قبل قيام دولة إسرائيل فسروا بابل الجديدة بأنها القديمة، أي أن النبوءة قد مضت [30] -أو فسروها بأنها روما مقر الكنيسة الكاثوليكية - ولأن الذين كتبوا بعد قيام دولة الرجس أغفلوا هذا؛ بل هم يزعمون أن عظمة أمريكا وقوتها هو ببركة نصرتها لـإسرائيل؛ لأجل ذلك ضاعت الحقيقة عن مصير هذا الحليف المجرم.
فلنذكر نحن ما قالت الأسفار عن وصفه ومصيره:
1- يخاطب سفر أشعياء دولة الرجس قائلاً: 'إذا صرختِِ فلتنقذك مجموعاتك، لكن الريح سترفعها جميعاً،والنسيم يذبها، أما الذي يعتصم بي فيملك الأرض ويرث جبل قدسي'.
وفي الترجمة الأخرى: 'ولكن الريح تحملهم كلهم تأخذهم نفخة أما المتوكل عليّ فيملك الأرض ويرث جبل قدسي'.
ويذكرهم قائلاً: 'إذا مد الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا كلهم جميعاً'.
2- يصف أرمياء حال بابل الجديدة قائلاً: 'كيف كسرت وحطّمت مطرقة الأرض بأسرها؟ كيف صارت بابل دهشاً عند الأمم، نصبتُ لكِ فخاً فأُخذتِ يا بابل ولم تشعري، لقد وجدتِ نقيضي عليكِ لأنك تحديتِ الرب'.
ويصفها بأنها: 'اعتدّت بنفسها على الرب...' ويقول: 'هأنذا عليك أيها الاعتداد بالنفس.. لأنه قد أتى يومك وقت افتقادك، سيعثر الاعتداد بالنفس ويسقط وليس أحد ينهضه وأوقد ناراً في مدنه فتلتهم كل ما حوله'.
ومن أوصافها فيه:
أ- هي 'كأس ذهب بيد الرب، تسكر كل الأرض. من خمرها شربت الأمم ولذلك فقدت رشدها'.
ب- 'قائمة على المياه الغزيرة وكثيرة الكنوز'.
ج- هي خليط من الشعوب، ولذلك هم عند بداية يوم غضب الله عليها ينصح بعضهم بعضاً:
'اهجروها ولنذهب كل واحد إلى أرضه؛ فإن الحكم عليها بلغ أعلى السماوات ورفع إلى الغيوم'.
3- يذكر أشعياء أن العقوبة في يوم الغضب لا تختص بالرجسة وحدها بل: 'في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد، لاوياثان الحية الهاربة، ولاوياثان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر'.
لقد حار شراحهم في تفسير ذلك، ولكن المتأمل في قيام رجسة الخراب يجد أن ثلاث حيات أنشأتها: -
1- الحية الهاربة التي أعطت وعد بلفور وهيأت للعصابات الصهيونية ثم هربت بريطانيا .
2- الحية الملتوية التي التفت على الأرض المقدسة وهي دولة صهيون.
3- التنين أو الحية العظمى التي في البحر -إذ في البحر حاملات طائراتها ومدمراتها لإرهاب المسلمين- وهي أمريكا !!
ويؤيده ما سبق (ص:75-81) عن الوحش، وأن التنين هو الذي يعطيه القدرة والملك.
إن الشراح البروتستانت -وإليهم تنتمي المدرسة الأصولية - يفسرون بابل بأنها الكنيسة الكاثوليكية في آخر الزمان - أي منذ بضعة قرون إلى نـزول المسيح-، ويؤولون صفات بابل الجديدة الواردة آنفاً بأنها مدينة روما ، ويتنبأون بهلاكها.
والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق على مدينة ضالة في تدينها؛ بل هو على إمبراطورية ضالة في غطرستها وتحديها لخالقها ومحاربتها للمؤمنين اعتداداً بقوتها وهيمنتها، ولذلك فمن السهل علينا إثبات خطأ "بيتـز " في شرح سفر الرؤيا ، وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقلاً عن السفر:
أ- 'الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها'.
ب- 'لمياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي: شعوب وجموع وأمم وألسنة'.
ج- بعد تدميرها 'يبكي تجار الأرض وينوحون عليها؛ لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز..والعاج والخشب والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنماً وخيلاً ومركبات... كل هذه البضائع تجارها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها، يبكون وينوحون، ويقولون: ويل! ويل! خربت في ساعة واحدة'.
إنها دولة الرفاهية والتجارة العالمية والشركات العملاقة.. إنها الدولة التي إذا نزلت بها كارثة كسد الاقتصاد العالمي، فأين روما من هذا؟
ثم يقول السفر: 'رفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً: هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد'.
ويقول: 'لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أتباع أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض'.
وحينئذٍ كما يقول السفر: تهلل الشعوب ويهلل من في السماء قائلين: 'المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها'.
إذًا ليست روما، ولكنها أمريكا ، وإلا فليشطب الأصوليون هذه النبوءات ويستريحوا ويريحوا، وعقوبتها في الأسفار:
إما ربانية "رياح " - كما سبق - أو إعصار. 'كيف صارت بابل دهشاً بين الشعوب؟
طلع البحر على بابل فغمرها بهدير أمواجه، وصارت مدنها دماراً. أرضاً قاحلة مقفرة...'.
وفي دانيال ومتّى "زلازل وأوبئة" على الأرض، ولـبابل -بلا ريب- النصيب الأوفر منها!!
..وإما بشرية يرسلها الله: 'أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز، قد حان أجلكِ، بنفسه أقسم رب القوات: أملأك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار! هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته'.
هكذا تقول النبوءات الكتابية.
فما هتاف الانتصار الذي ينشده جند الله بعد تدمير رجسة الخراب يقيناً أو بعد تدمير أمريكا غالباً.
إنه هتاف عجيب يورده أشعياء:
'استيقظي استيقظي
البسي عزك يا فلسطين -في الأصل صهيون-
البسي ثياب فخرك يا أورشليم
يا مدينة القدس
فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس
انفضي الغبار عنك
قومي اجلسي يا أورشليم
حُلَّت قيود عنقك
أيتها الأسيرة'.
فهل أمة ليسوا قلفاً ولا أنجاساً سوى أمة الإسلام؟
ثم تذكر النبوءة كيف يمتن الله على عباده المؤمنين الذين يفرحون بنصره قائلاً: 'لأني حينئذٍ أجعل للأميين (في الأصل الشعوب) شفة نقية (لا شفة نجسة كشفة إسرائيل) ليدعوا جميعاً باسم الرب وليعبدوه كتفاً على كتف'.
يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه ما من أمة تعبد الله كتفاً على كتف كالبنيان المرصوص إلا أمة الإسلام. وهم أطهر الناس شفة، وحسب شفاههم طهارة أنها لا تسب الله، فتقول: إن لـه ابناً، أو إنه يجهل وينسى ويندم -تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً- . أ هـ بتصرف من كتاب (يوم الغضب) للعلامة سفر الحوالي.
وفي النهاية:
اللهم اجعلنا من جندك المخلصين واجعلنا من الفاتحين وأرنا يوماً في يهود وارزقنا صلاة بالمسجد الأقصى قبل الممات يا رب العالمين
أخيكم العبدلله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا شك أن خطى اليهود نحو بناء هيكلهم مسرعة, وكأنما يستعجلون زوالهم المحتوم الذي لا يشكون فيه, بل هم يؤمنون بحتمية زوالهم ربما أكثر من بعض المسلمين وبالرغم من ذلك يصرون على التجبر والتكبر والكفر والطغيان, يهدمون المساجد ويرهبون العُـبّاد في خلواتهم, يقتلون الأم والجنين, ويسفكون الدم الطاهر كل وقت وحين, حتى أضحى الأبرياء من المؤمنين, بين جريح وقتيل وأرملة ويتيم وسجين.
تمسك اليهود كعهدهم بحبل الناس, فمهما طال بهم انقطع وإن بزغ نجمه وسطع, وإن زادت قوته ورتع, فلابد من حبل الناس أن ينقطع ويبقى حبل الله المتين وصراطه المستقيم وطريقه القويم, سبيل المرسلين واتباعهم من المؤمنين.
صب اليهود على أبرياء المؤمنين الرصاص صباً فأذابوا العظام تحت الجلود, وتحالفوا مع من تحالفوا فوضعوا السدود, شددوا الحصار وخنقوا الأمصار, وأشعلوا العداوة والبغضاء بين الإخوة في الأقطار, نشروا الفساد, وأفشوا الخنا والزنا في العباد, عن طريق آلتهم الإعلامية الضخمة التي التفت حول الأرض مثل الأفعى تغير من توجهات العباد وسولكياتهم بما يخدم يهود ومطامع إسرائيل, فلعنة الله على كل خائن, ونسأل الله الهداية لكل جاهل مغبون مستغفل.
ما من بقعة على الأرض فيها دم مسفوك أو فتنة طاعنة إلا ولليهود فيها سهم ضارب, عثوا في الأرض فساداً حتى اشتكى الإنس والجن والجماد والطير والحيوان من نجاستهم وغلهم وحقدهم على العباد.
إن إصرار اليهود على تخريب المسجد الأقصى بعمل الأنفاق من تحته لهدم أركانه, ثم بناءهم لكنيس الخراب ووضعهم حجر الأساس لهيكلهم المزعوم, هو سقف تطلعاتهم, ولكن الله غالب على أمره؛ فكنيسة الخراب هذه إن شاء الله هي بداية الخراب الفعلي لدولة اليهود النجسة, وسبحان من جعل تسميتهم لكنيسهم مطابق مع رؤى دنيال في أسفارهم وذكره لنهاية إسرائيل (رجسة الخراب) والتي سنفصل في ذكر ما ورد فيها ولكن قبل ذلك لابد من بيان دور الفرد والأمة الإسلامية أمام هذا الطوفان الجامح من الشر والطغيان الغير محدود.
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ **** في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى **** وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته **** ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ **** تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ **** شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقَى إليها السَّامريُّ بعجله **** وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه **** سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها **** مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها **** فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها **** وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها **** بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا إِبنٍ ولا **** جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة **** وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها **** ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما **** برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا **** وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا: **** ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله **** وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ **** للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا **** متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم **** وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم **** لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً **** لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم **** أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا **** كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ **** منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ **** والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته **** أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ **** للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها **** نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي **** قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها **** ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
على الأمة اليوم إزاء تسارع الأحداث أن تفيق من غفوتها وأن تتسلح بأسلحتها التي ميزها الله بها عن غيرها سلاح الإيمان والاعتصام بحبل الله والاجتماع وعدم التفرق وسلاح الحديد والنار ببث الدعوة في جيوش الأمة بقيادة العلماء الأجلاء وإعداد الأمة من جديد بلا يأس ولا تثبيط.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} قيل {بِحَبْلِ اللّهِ} أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} أي بعهد وذمة وقيل {بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّـهِ} يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعا في صفة القرآن «هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم». وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أسباط بن محمد عن عبد الملك بن سليمان العزرمي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض». وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه»، وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك وقال وكيع حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين: "يا أبا عبد الله هذا الطريق هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن". وقوله " ولا تفرقوا " أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة . وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضا . وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقوله تعالى " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا "أ هـ
وقال تعالى: {وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقوله {وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ} أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال تعالى {اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } " وقوله{هُوَاجْتَبَاكُمْ} أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا فالصلاة التي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربع وفي السفر تقصر إلى اثنتين وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة كما ورد به الحديث وتصلى رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالسا فإن لم يستطع فعلى جنبه إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ولهذا قال عليه السلام « بعثت بالحنيفية السمحة » وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن « بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا» والأحاديث في هذا كثيرة ولهذا قال ابن عباس في قوله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} يعني من ضيق وقوله {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} قال ابن جرير نصب على تقدير " ما جعل عليكم في الدين من حرج" أي من ضيق بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم قال ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم " قلت " وهذا المعنى في هذه الآية كقوله { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} الآية وقوله { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا} قال الإمام عبد الله ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله " هو سماكم المسلمين من قبل" : قال : الله عز وجل" أ هـ
إذن على الأمة أن تجتمع على شرع الله المطهر كتاباً وسنة وأن تجتب الفرقة والخلاف وان تعمل لدين الله لترتيب الصفوف وتعبئة الجند المسلم تحت قيادة العلماء وأن يلتحم المسلمون وأن تمتد كلمة العلماء لتطال الحاكم والمحكوم ولا يكون ذلك إلا بالدعوة الصادقة والصبر عليها ولم يعد هناك مجال للتكاسل والتراخي .
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
قال ابن كثير: "يقول عز وجل {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي دعا عباد الله إليه " وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك" أ هـ.
إن رياح التغيير لابد أن تتسارع لأنه لا سبيل إلا التغيير حتى يتأتي النصر ولكن ما هو التغيير؟
قال تعالى :{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 11].
قال القرطبي: "أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير, إما منهم أو من الناظر لهم, أو ممن هو منهم بسبب; كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم, إلى غير هذا من أمثلة الشريعة; فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب, بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير; كما قال صلى الله عليه وسلم : « يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ، قالت : قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا ظهر الخبث »
[الراوي: عائشة] [المحدث:الألباني] - [المصدر: صحيح الترمذي]
إذًا فترك المعاصي والبدع المحدثات ومتابعة الرسول وتغيير النفس ليكون هواها منقادا ً تابعاً لمراد الله ومراد رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم .
وهنا يتبقى الدور الأخير والمكمل لنصر الأمة وهو قوله تعالى: {وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
قال القرطبي: " وأعدوا له " أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى . فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب , كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ . وكل ما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك . قال ابن عباس : القوة هاهنا السلاح والقسي . وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول :« وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ». وهذا نص رواه عن عقبة أبو علي ثمامة بن شفي الهمداني , وليس له في الصحيح غيره . وحديث آخر في الرمي عن عقبة أيضا قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه » . وقال صلى الله عليه وسلم : « كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنه من الحق » . ومعنى هذا والله أعلم : أن كل ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده في العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل , والإعراض عنه أولى . وهذه الأمور الثلاثة فإنه وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط, فإنها حق لاتصالها بما قد يفيد, فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون القتال . وملاعبة الأهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد الله ويعبده, فلهذا كانت هذه الثلاثة من الحق . وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومنبله ». وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين , ونكايته شديدة على الكافرين . قال صلى الله عليه وسلم : « يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا » . وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية . وقد يتعين .
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
يعني تخيفون به عدو الله وعدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب . أ هـ
وأختم ببشارات واضحة لابد أن تستعد الأمة معها لترى ربها منها ما يرضيه؛ فرجسة الخراب إسرائيل كما هو ثابت في كتبهم وفي رؤى أنبيائهم نهايتها قد اقتربت بل لعل مسمى كنيس الخراب بهذا الاسم المطابق لما في التوراة أدل بيان على اقتراب الوعد الحق ونهاية إخوان القردة والخنازير وفيما يلي نقل لما يؤيد هذه المعاني:
وصف رجسة الخراب:
يسرد العلامة سفر الحوالي في كتابه يوم الغضب وصف رجسة الخراب من نبوءات دانيال في كتابهم المقدس وإليك طرفاً منها : ( أرجو من القارئ أن يميز بين رجسة الخراب وبين معاونها القوي الذي يوصف دائما بأنه يكسر بغير يد, وسيأتي في النهاية بيان إهلاكه بالريح العاتية إن شاء الله).
ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير وعظم جداً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي، وتعظم حتى إلى جند السماوات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم، وحتى إلى رئيس الجند تعظم، وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن (بيت) مَقْدِسِه وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح'.
قال دانيال: 'فسمعت قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوس واحد لفلانٍ المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء. فيتبرأ القدس'.
وفي الطبعة الكاثوليكية: 'إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح ثم تُرد إلى القدس حقوقه'.
وهكذا طلب دانيال من المَلَك أن يعبر الرؤيا، فخاطبه قائلاً: 'يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى... هأنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط؛ لأن الرؤيا لميعاد الانتهاء، أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتيس العافي مُلْك اليونان، والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول، وإذا انكسر وقام أربعة عوضاً عنه، فستقوم أربع ممالك من الأمة ليس في قوته،[18] وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته، يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين، وبحذاقته ينجح -أيضاً- المكر في يده، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر، فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق، أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيامٍ كثيرة'.
ويختم الحديث عن تلك الأحداث بقيام الساعة وبعث الأموات ويوصي دانيال قائلاً: 'أما أنت يا دانيال، فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية'.
وعندها يقول دانيال: 'وأنا سمعت وما فهمت، فقلت: يا سيدي! ما هي آخر هذه؟ فقال: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية... من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرِّب (وفي ترجمة أخرى: شناعة الخراب) ألف ومائتان وتسعون يوماً، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح...'.
وانتهى السفر واستراح دانيال ولاسيما وقد اطمأن إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد 45 سنة!!
إن ما تقدم هو عرض موجز لأهم النبوءات في الكتاب المقدس كله -نبوءات دانيال- ومنه نلحظ أموراً كثيرة، منها:
1 - زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن القرن الصغير فهو ماكر محتال زنديق لا يقوم بقوته بل بالاعتماد على غيره، وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم الأنبياء، فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس رؤسائهم ( الخليفة ) بلا جيش، وأخبث أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده، ويبطل الصلاة،[19] ويهدم بيت الله فيها، ويقيم فيها دولته الموصوفة بـ(الرجس المخرِّب).
2 - هذا القرن الصغير يفعل ذلك في أيام سلطان المملكة الأخيرة - مملكة القديسين - لا في أيام فارس والروم.. وقيام دولة الرجس لا يدل على انقضاء تلك المملكة الأبدية، وهذا ما أكده السفر مراراً، وإنما هو حدث عارض محدود المدة والمكان، فهو ليس من جنس ما في رؤيا التمثال حيث تسقط مملكة وتقوم أخرى مكانها، ولا من جنس ما في رؤيا الحيوانات الأربعة حيث يتغلب واحد ضخم هائل على الأخرى. لا، لاشيء من ذلك، فهذا قرن صغير، ومجال سيطرته محدود، لكن مكره كبير ودهاؤه عظيم ووراءه قوة عظمى تمده، ويصادف ذلك حالة ضيق شديدة [أشار إليها دانيال (12: 1)] وضعف شديد لدى شعب القديسين، لكن الضيقة تـزول والقديسون ينتصرون من جديد، ويفرحون بيوم زوال رجسة الخراب وتطهير القدس منها.
إن هذا القرن الصغير الخبيث المفسد يهدم ويقيم، يهدم بيت قدس الله ويقيم الرجسة مكانه، ومن هـنا قال بعض شراح أهل الكتاب: إن الرجسة هي صنم يقوم في الهيكل، وبالأصح هيكل يقام في المسجد وليس هذا الخلاف في معنى الرجسة مؤثراً؛ لأنه لا يقام بناءٌ أجنبيٌّ عدوٌ في معبد أمة ما إلا بجند وسلطة، فالرجس مدلوله عام وخاص، العام: قيام الدولة الرجسة نفسها، والخاص: بناؤها للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه!! كما أن إزالة الصنم من بيت الله لا تكون إلا بجند وسلطة.
هكذا فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فتح مكة، وهكذا سيفعل أتباعه إذا دخلوا المسجد ووجدوا فيه بناءً رجساً لدولة الرجس!! ومعابد اليهود وأهمها الآن كنيسة الخراب هي الأصنام الجديدة التي سيبيدها أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا ريب ولهذا كان أكثر الشراح لا يرتابون في أن قيام الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على أرض القدس، ولكن ما هي هذه الدولة؟!
الأمم الثلاث التي تعظم القدس كل منها قد أقام دولته عليها، أو فتحها وغلب عليها، ولا شك أن واحدة منها هي الرجسة المقصودة بالذات في هذه النبوءات دون الأخريين.
إن التوراة كلها - وليس سفر دانيال وحده - تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة، وتبدئ وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من الأمثال والاستعارات والمجازات، ما بين تكرار وإسهاب واختصار.
أما الصفات المذمومة فلا حصر لها، إنها تشمل كل خلق ذميم بلا استثناء، إلا أن وصفاً واحداً - يتكرر كقافية الشعر العربي - في كل سفر، مما يدهش قارئ التوراة أياً كان، ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن يكون أبعد الأوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله المختار استناداً إلى هذا الكتاب نفسه، هذا الوصف هو: النجاسة، وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث، ومعصرة الوحشية والعنف، ممزوجة بالغدر والصلف، نجاسة ذاتية لا يطهرها شيء..
'إنك لو اغتسلت بالنطرون، وأكثرت من الأشنان، لا تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب: كيف تقولين لم أتنجس؟'. 'خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة،.وفي الترجمة الأخرى: (رجسة)' .
وهي نجاسة زانية: 'دنست الأرض بزناها' أرمياء 3: 2) 'بل تحت كل شجرة خضراء زنت -وليس مع فاجر واحد- بل زنت مع أخلاء كثيرين (ن.م) لا؛ بل: زنت مع الحجر ومع الخشب'.
وقضى الله أن لا تطهر من نجاستها أبداً. 'إن في نجاستك فجوراً لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي' ( .
ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له: 'إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها فأعطيتها كتاب طلاق'.
وسبب هذه العقوبة واضح متكرر. 'تدنست الأرض تحت سكانها؛ لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي فلذلك أكلت اللعنة الأرض!!'.
هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول: 'وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم، ولم تعمل بها، تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك؛ فتكون ملعوناً في المدينة، وملعوناً في البرية، وتكون ملعونة سلتك ومعجنك، وملعوناً ثمر بطنك وثمر أرضك ونتاج بقرك وغنمك، وتكون ملعوناً أنت في دخولك، وملعوناً أنت في خروجك، يرسل الرب عليك اللعنة والاضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما تصنعه، حتى تبيد وتهلك سريعاً بسبب سوء أعمالك بعدما تركتني'.
وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات في أسلوب لا نظـير له، ثم تختتم قائلاً: 'هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى تبيد، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية وخارقة وفي نسلك للأبد'.
وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة؛ فإن الخزي قرينها 'كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم'.
ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من أسفل، ولذلك قال أشعياء في سفره: 'أنا مقيم بين شعب نجس الشفاه'.
وحتى بعد موتهم وطردهم من الأرض المقدسة تلاحقهم النجاسة، ففي عاموس : 'على بيت إسحاق، هكذا قال الرب: إن امرأتك تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف، وأرضك تقسم بالحبل، وتموت أنت في أرض نجسة، وإسرائيل يطرد من أرضه طرداً'.
لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر الأمم نجاسة في التاريخ: 'صار إثم بنت شعبي أورشليم أعظم خطيئة من سدوم التي قُلِبت في لحظة ولم تمد إليها يد'.
' إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك' .
ومن أعظمها: الوحشية والإفراط في سفك الدم؛ ولهذا فحين يسأل حزقيال ربه 'أتهلك جميع بقية إسرئيل في صب غضبك على أورشليم ؟'.
يقول الرب: 'إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماءً، وامتلأت المدينة انحرافاً' 9: 8، 9).
وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى الصهيونية وكأنه يتحدث عن الانتفاضة المعاصرة: 'سفكوا في وسطها دم الأبرار، تاهوا كعميان في الشوارع، تلطخوا بالدم حتى لم يطق أحد أن يلمس ملابسهم، نادوهم: تنحوا، هناك نجس، تنحوا تنحوا ولا تلمسوا'.
• نهاية إسرائيل يوم غضب الرب:
كيف يحل يوم غضب الله وتنـزل العقوبة على دولة الرجس والظلم والعدوان "إسرائيل"؟!
تُحدثنا الأسفار بوضوح عن هذه الأمور:
1- صفات الجيش المنتصر.
2- انهيار الجيش الصهيوني.
3- مصير الحلفاء الاستراتيجيين للدولة الصهيونية .
وفي ثنايا كل سياق تتكرر أسباب العقوبة والخراب:
'الشرك بالله والكفر برسله والتمرد على أمره، سفك الدم البريء، والظلم والعدوان، المكر والغش والغدر، الفواحش، اضطهاد البائس والأرملة' ...إلخ.
يبدأ الزمن الجديد بإعلان الجهاد، والمرجو أن تكون هذه الانتفاضة هي بدايته، فإن لم تكن فهي بلا شك تمهيد له. فلابد أن يعلن وأن تسقط الشعارات الأخرى.
لقد وضع ناشرو الكتاب المقدس عنوان (الزمن الجديد ويوم الرب) لما جاء في سفر يوئيل عن تصور هذا اليوم العظيم، الذي يبدأ بأن يتداعى جند الله للجهاد -بل إن السفر نفسه يدعو ويحض-، ولأنه في الغالب جهاد شعوب لا تملك الطائرات والعتاد الثقيل؛ بل أكثرهم لا يملك من الحديد إلا أدوات الفلاحة، ولأن بعضهم أو أكثرهم من شعوب فقيرة، اصطلت بنير الاحتكار الرأسمالي والربا اليهودي والتسلط الاستبدادي والحصار الأمريكي.. وفيهم ضعاف البنية، ويداخلهم لأجل ذلك شيء من التخوف، فالعدو جيش نووي قوي، ووراءه بالطبع قوى عالمية حاشدة؛ لأن ذلك كله واقع تأتي البشرى لتنفض الوهن وتشحذ العزائم: 'أعلنوا حرباً مقدسة
وأنهضوا الأبطال
وليتقدم رجال القتال ويصعدوا
اطرقوا محاريثكم سيوفاً
ومناجلكم رماحاً
وليقل الضعيف: إني بطل
أسرعوا وهلموا
يا جميع الأمم من كل ناحية
واجتمعوا هناك' .
هكذا: جهاد وتوكل، إعداد بحسب الاستطاعة، لا استجداء للسلاح من أعداء الله.
أما سفر أرمياء فيحث على مسابقة الزمن وتدمير دولة الترف ومجتمع العنف: 'أعلنوا عليها حرباً مقدسة
قوموا نصعد عند الظهيرة
ويل لنا فإن النهار قد مال
وظلال المساء قد امتدت
قوموا نصعد في الليل
ونهدم قصورها
فإنه هكذا قال رب القوات
اقطعوا خشباً واركموا على أورشليم مردوماً
هذه هي المدينة التي ستفتقد
التي ليس فيها إلا ظلم
كما أن البئر تنبع مياهها
فكذلك هي تنبع شرها
فيها يسمع بالعنف والنهب
وأمامي كل حين مرض وضربة
هوذا شعب مقبل من أرض الشمال
وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض
قابضون على القوس والحربة
قساة لا يرحمون
صوتهم كهدير البحر
وعلى الخيول راكبون مصطفون
كرجل واحد للمعركة
ضدَّكِ يا بنت صهيون'.
ولأن السؤال يظل وارداً بإلحاح: أين الجيش الذي لا يقهر؟ أين جيش الخراب المتسمي بجيش الدفاع؟! يجيب سفر أشعياء جواباً قطعياً مختوماً ناسخاً لا منسوخاً. [28]
بأن الرب ناداه: 'فهلمّ الآن واكتب ذلك على لوح أمامهم
وارسمه في سفر
ليكون لليوم الأخير
دائماً وللأبد!
بما أنكم نبذتم هذه الكلمة
وتوكلتم على الظلم والالتواء!
واعتمدتم عليها
لذلك يكون هذا الاثم لكم
كصدع يحصل فيتضخم في سور عالٍ ( لاحظ كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
فيحدث انهدامه بغتة على الفور
فينهدم مثل إناء الخزّافين
الذي يسحق بغير رفق
فلا يوجد في مسحوقه شقفة
لأخذ نار من الموقد!!
أو لغرف ماء من الجب!! ( لاحظ النار وماء الجب : وراجع تركيب السور الفولاذي المبني على حدود غزة )
......................
ألف معاً تجاه تهديد واحد!!
وتجاه تهديد خمسة تهربون!!
حتى تتركوا كسارية على رأس الجبل
وكراية على التلة'.
ويؤكد سفر عاموس ذلك: 'قد أتت النهاية لشعبي إسرائيل
فلا أعود أعفو عنه
فتصير أغاني القصر ولوالاً
في ذلك اليوم، يقول السيد الرب
وتكثر الجثث
وتلقى في كل مكان بصمت'.
أما صفات المجاهدين وبسالتهم فيرسمها يوئيل في صورة بيانية بديعة: -'كما ينتشر الفجر على الجبال
شعب كثير مقتدر
لم يكن له شبيه منذ الأزل
ولن يكون له من بعد
إلى سني جيل وجيل
...................
قدامه النار تأكل
وخلفه اللهيب يحرق
قدامه الأرض كجنة عدن
وخلفه قفر وخراب
ولا ينجو منه شيء
كمنظر الخيل منظره
ومثل الفرسان يسرعون
كصوت المركبات
على رءوس الجبال يقفزون
كصوت لهيب النار الآكلة القش
وكشعب مقتدر مصطف للقتال
من وجهه يرتعد الشعوب
وجميع الوجوه قد شحبت
كالأبطال يسرعون
وكرجال الحرب يتسلقون السور ( لاحظ كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
وكل منهم يسير في طريقه
ولا يحيد عن سبله
ولا يزاحم أحد أخاه
بل يسيرون كل واحد في طريقه
ومن خلال السهام يهجمون
ولا يتبددون
يثبون إلى المدينة
ويسرعون إلى السور ( لاحظ تكرار كلمة السور وتذكر السور الفولاذي الجديد الذي بنته مصر على حدود غزة )
ويصعدون إلى البيوت
ويدخلون من النوافذ'.
ويصفها أشعياء هكذا:
'فيرفع راية لأمة بعيدة
ويصفر لها من أقصى الأرض
فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة
ليس فيها منهك ولا عاثر
لاتنعس ولا تنام
ولا يحل حزام حقويها
ولا يفك رباط نعليها
سهامها محددة
وجميع قسيها مشدودة
تحسب حوافر خيلها صواناً
ومركباتها إعصاراً
لها زئير كاللبؤة
وهي تـزأر كالأشبال
وتزمجر وتمسك الفريسة
وتخطفها وليس من ينقذ
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر
وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق
وقد أظلم النور في غمام حالك' [29]
أما الأسرى الصهاينة فتحدد الأسفار مصيرهم هكذا:
في سفر التثنية: 'ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها، فتباعون هناك لأعدائك عبيداً وإماءً وليس من يشتري'.
ويوضحه ما في أرمياء: 'هأنذا أحاكمك على قولك لم أخطئ.. إنك تخزين من مصر كما خزيت من آشور ' 'أعبدٌ إسرائيل أم هو مولود بيت، عليه زأرت الأشبال، وأطلقت أصواتها، وجعلت أرضه دماراً، ومدنه احترقت بلا ساكن فيها وبنو نوف وتحفنحيس -مدينتان مصريتان معروفتان في ذلك الوقت- أيضاً حلقوا هامتك'.
لاشك أن المجاهدين سيكونون من كل بلاد الإسلام، ولكن التبكيت والخزي بـمصر له دلالته، فهي التي أخرجوا منها أول عهدهم حين أنجاهم الله من العبودية لآل فرعون، والآن بسبب ردتهم -التي صرح بها السفر مراراً- سيعادون إليها عبيداً، لكن لا أحد يشتري هذه المرة..! لماذا..؟ لأنهم رجس..!
فهم يحملون في أبدانهم فيروسات الإيدز، ويحملون في قلوبهم الحقد والغدر، فلا يريدهم أحد، ولو عبيداً وإماءً.
وفي الاتجاه المقابل وفيما يشبه النفخ في الصور يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم، ويتداعى المسلمون بعد المعركة الكبرى والنصر العظيم إلى الأرض المباركة للزيارة والاعتكاف، ولاسيما من العراق ومصر.
يقول أشعياء : 'في ذلك اليوم يدوس الرب قمحه من مجرى النهر إلى وادي مصر، وأنتم تلقطون واحداً فواحداً يا بني إسرائيل.
وفي ذلك اليوم ينفخ في بوق عظيم ويأتي الهالكون في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في جبل القدس في أورشليم '.
أما العراق فلأن الله قد فك عنهم الحصار الذي أهلكهم وأجهدهم!
وأما مصر فلأنها تشعر بالحرج البالغ بسبب كامب ديفيد!
أما مصير الحليف الاستراتيجي فقد سبق ما يمهد لـه في الكلام عن نبوءة دانيال، فهناك اتفقنا نحن وهم على أن الامبراطورية الرومانية الجديدة هي ذلك الحليف، ولكن لأن الذين كتبوا عن النبوءات قبل قيام دولة إسرائيل فسروا بابل الجديدة بأنها القديمة، أي أن النبوءة قد مضت [30] -أو فسروها بأنها روما مقر الكنيسة الكاثوليكية - ولأن الذين كتبوا بعد قيام دولة الرجس أغفلوا هذا؛ بل هم يزعمون أن عظمة أمريكا وقوتها هو ببركة نصرتها لـإسرائيل؛ لأجل ذلك ضاعت الحقيقة عن مصير هذا الحليف المجرم.
فلنذكر نحن ما قالت الأسفار عن وصفه ومصيره:
1- يخاطب سفر أشعياء دولة الرجس قائلاً: 'إذا صرختِِ فلتنقذك مجموعاتك، لكن الريح سترفعها جميعاً،والنسيم يذبها، أما الذي يعتصم بي فيملك الأرض ويرث جبل قدسي'.
وفي الترجمة الأخرى: 'ولكن الريح تحملهم كلهم تأخذهم نفخة أما المتوكل عليّ فيملك الأرض ويرث جبل قدسي'.
ويذكرهم قائلاً: 'إذا مد الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا كلهم جميعاً'.
2- يصف أرمياء حال بابل الجديدة قائلاً: 'كيف كسرت وحطّمت مطرقة الأرض بأسرها؟ كيف صارت بابل دهشاً عند الأمم، نصبتُ لكِ فخاً فأُخذتِ يا بابل ولم تشعري، لقد وجدتِ نقيضي عليكِ لأنك تحديتِ الرب'.
ويصفها بأنها: 'اعتدّت بنفسها على الرب...' ويقول: 'هأنذا عليك أيها الاعتداد بالنفس.. لأنه قد أتى يومك وقت افتقادك، سيعثر الاعتداد بالنفس ويسقط وليس أحد ينهضه وأوقد ناراً في مدنه فتلتهم كل ما حوله'.
ومن أوصافها فيه:
أ- هي 'كأس ذهب بيد الرب، تسكر كل الأرض. من خمرها شربت الأمم ولذلك فقدت رشدها'.
ب- 'قائمة على المياه الغزيرة وكثيرة الكنوز'.
ج- هي خليط من الشعوب، ولذلك هم عند بداية يوم غضب الله عليها ينصح بعضهم بعضاً:
'اهجروها ولنذهب كل واحد إلى أرضه؛ فإن الحكم عليها بلغ أعلى السماوات ورفع إلى الغيوم'.
3- يذكر أشعياء أن العقوبة في يوم الغضب لا تختص بالرجسة وحدها بل: 'في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد، لاوياثان الحية الهاربة، ولاوياثان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر'.
لقد حار شراحهم في تفسير ذلك، ولكن المتأمل في قيام رجسة الخراب يجد أن ثلاث حيات أنشأتها: -
1- الحية الهاربة التي أعطت وعد بلفور وهيأت للعصابات الصهيونية ثم هربت بريطانيا .
2- الحية الملتوية التي التفت على الأرض المقدسة وهي دولة صهيون.
3- التنين أو الحية العظمى التي في البحر -إذ في البحر حاملات طائراتها ومدمراتها لإرهاب المسلمين- وهي أمريكا !!
ويؤيده ما سبق (ص:75-81) عن الوحش، وأن التنين هو الذي يعطيه القدرة والملك.
إن الشراح البروتستانت -وإليهم تنتمي المدرسة الأصولية - يفسرون بابل بأنها الكنيسة الكاثوليكية في آخر الزمان - أي منذ بضعة قرون إلى نـزول المسيح-، ويؤولون صفات بابل الجديدة الواردة آنفاً بأنها مدينة روما ، ويتنبأون بهلاكها.
والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق على مدينة ضالة في تدينها؛ بل هو على إمبراطورية ضالة في غطرستها وتحديها لخالقها ومحاربتها للمؤمنين اعتداداً بقوتها وهيمنتها، ولذلك فمن السهل علينا إثبات خطأ "بيتـز " في شرح سفر الرؤيا ، وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقلاً عن السفر:
أ- 'الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها'.
ب- 'لمياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي: شعوب وجموع وأمم وألسنة'.
ج- بعد تدميرها 'يبكي تجار الأرض وينوحون عليها؛ لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز..والعاج والخشب والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنماً وخيلاً ومركبات... كل هذه البضائع تجارها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها، يبكون وينوحون، ويقولون: ويل! ويل! خربت في ساعة واحدة'.
إنها دولة الرفاهية والتجارة العالمية والشركات العملاقة.. إنها الدولة التي إذا نزلت بها كارثة كسد الاقتصاد العالمي، فأين روما من هذا؟
ثم يقول السفر: 'رفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً: هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد'.
ويقول: 'لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أتباع أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض'.
وحينئذٍ كما يقول السفر: تهلل الشعوب ويهلل من في السماء قائلين: 'المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها'.
إذًا ليست روما، ولكنها أمريكا ، وإلا فليشطب الأصوليون هذه النبوءات ويستريحوا ويريحوا، وعقوبتها في الأسفار:
إما ربانية "رياح " - كما سبق - أو إعصار. 'كيف صارت بابل دهشاً بين الشعوب؟
طلع البحر على بابل فغمرها بهدير أمواجه، وصارت مدنها دماراً. أرضاً قاحلة مقفرة...'.
وفي دانيال ومتّى "زلازل وأوبئة" على الأرض، ولـبابل -بلا ريب- النصيب الأوفر منها!!
..وإما بشرية يرسلها الله: 'أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز، قد حان أجلكِ، بنفسه أقسم رب القوات: أملأك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار! هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته'.
هكذا تقول النبوءات الكتابية.
فما هتاف الانتصار الذي ينشده جند الله بعد تدمير رجسة الخراب يقيناً أو بعد تدمير أمريكا غالباً.
إنه هتاف عجيب يورده أشعياء:
'استيقظي استيقظي
البسي عزك يا فلسطين -في الأصل صهيون-
البسي ثياب فخرك يا أورشليم
يا مدينة القدس
فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس
انفضي الغبار عنك
قومي اجلسي يا أورشليم
حُلَّت قيود عنقك
أيتها الأسيرة'.
فهل أمة ليسوا قلفاً ولا أنجاساً سوى أمة الإسلام؟
ثم تذكر النبوءة كيف يمتن الله على عباده المؤمنين الذين يفرحون بنصره قائلاً: 'لأني حينئذٍ أجعل للأميين (في الأصل الشعوب) شفة نقية (لا شفة نجسة كشفة إسرائيل) ليدعوا جميعاً باسم الرب وليعبدوه كتفاً على كتف'.
يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه ما من أمة تعبد الله كتفاً على كتف كالبنيان المرصوص إلا أمة الإسلام. وهم أطهر الناس شفة، وحسب شفاههم طهارة أنها لا تسب الله، فتقول: إن لـه ابناً، أو إنه يجهل وينسى ويندم -تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً- . أ هـ بتصرف من كتاب (يوم الغضب) للعلامة سفر الحوالي.
وفي النهاية:
اللهم اجعلنا من جندك المخلصين واجعلنا من الفاتحين وأرنا يوماً في يهود وارزقنا صلاة بالمسجد الأقصى قبل الممات يا رب العالمين
أخيكم العبدلله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليق