نعيش في هذه الأيام تحديات شتى لعب أبرزها سيادة المادة في العلاقات الإنسانية ، الأمر الذي يتطلب أن نجــدد معه " فقه الأخوة في الله " لنعرفه، ونعمل به على مستويات العمل كلها، باعتباره الوقود الدافع لسفينة العمل الإسلامي، و الروح التي لن نستطيع الصمود بغيرها أمام تحديات العصر الراهنة على جميع أصعدة العمل الإسلامي.
أعني بـ" فقه الأخوة في الله" كيف نتعامل بعضنا مع بعض؟ وكيف يفهم بعضنا بعضاً؟ وكيف يعذر بعضنا بعضاً؟ وكيف يحب بعضنا بعضاً؟ يل وكيف نختلف بعضنا مع بعض، تحت مظلة الحب في الله؟.
إن العمل الإسلامي في حاجة ماسة لهذا الفقه حتى لا يتسع الخلاف بين أفراد الصف الواحد، وحتى لا تضيع جهودنا جميعاً، فالأخوة ليست شعاراً يرفع ولا كلمات تردد، ولكنها عمل وفعل وتطبيق، إنها نظام حياة، وتعاون، وتكامل، وتكافل، إنها المرآة التي يرى كل منا فيها نفسه بصراحة، وشفافية ووضوح، وهي اليد التي تغسل الأخرى.
فإذا وصلنا إلى هذا المستوى؛ نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق النصر المأمول، ولنا في المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القدوة حين بدأ بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كخطوة أساسية وأولية بعد ترسيخ العقيدة والإيمان في النفوس.
أهمية الأخوة
الأخوة نعمة من الله على عباده المؤمنين لأنها رابطة يتعذر أن نجد مثلها في واقعنا المعاصر، فلا مصلحة ولا نفعاً مادياً من ورائها، إنما هي لله فقط، فهي أخوة بين القلوب و الأرواح برباط وثيق لا يمكن فصمه هو رباط العقيدة .
الأخوة من أوثق عرى الإيمان: وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، قال صلى الله عليه وسلم: " من أحب لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان "، وقال عليه الصلاة والسلام: " من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء، لا يحبه إلا لله عز وجل" .
وبها تُستجلب محبة الله تعالى: في الحديث القدسي" وجبت محبتي للمتحابين فيًّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ".
كما أنها سبيل إلى ظل عرش الله تعالى: فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله " رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" .
ويقول سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) وإنما تفيد الحصر والمعنى: ليس المؤمنون إلا أخوة قال تعالى: ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم).
يقول صاحب الظلال: "ولقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله، والتي لا تصنعها إلا هذه العقيدة، فاستحالت هذه القلوب النافرة، وهذه الطباع الشموس، إلى هذه الكتلة المتراصة المتآخية، الذلول بعضها مع بعض، المحب بعضها لبعض، المتآلف بعضها مع بعض، بهذا المستوى الذي لم يعرفه التاريخ، والذي تتمثل فيه حياة الجنة وسمتها البارزة – أو يمهد لحياة الجنة سمتها البارزة (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين). إن هذه العقيدة عجيبة فعلاً، إنها حين تخالط القلوب تلين جاسيها، وترقق حواشيها، وتندي جفافها، وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق، فإذا نظرة العين، ولمسة اليد، ونطق الجارحة، وخفقة القلب؛ ترانيم من التعارف و التعاطف، و الولاء و التناصر، والسماحة و الهوادة، لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب، ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب ....
وهذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في الله، وتوقع على أوتاره ألحان الخلوص له والالتقاء عليه فإذا استجابت وقعت تلك المعجزة التي لا يدري سرها إلا الله ولا يقدر عليها إلا الله.
ولقد من الله على عباده - وهو يدعوهم للوحدة وعدم الفرقة – بهذه النعمة الكبرى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)
هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله به على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائماً.
وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخواناً، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، و الأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال" [الظلال بتصرف يسير].
حقوق الأخوة
الأخوة في الإسلام ليست من نوافل القول، بل هي أساس وعقيدة راسخة في النفس، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
وقد روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن تسلم عليه إذا لقينه، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات، وتبر قسمه إذا أقسم عليك، وتنصح إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إن غاب عنك، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك".
و عن أنس- رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من حق المسلمين عليك: أن تعين محسنهم، وأن تستغفر لمذنبهم، وأن تدعو لغائبهم، وأن تجب تائبهم" .
ولقد تكلم ابن تيمية عن (عقد الأخوة) هذا، وبين أن الحقوق التي ينشئها إذا كانت من جنس ما أقره النبي -صلى الله علية وسلم- في أحاديثه لكل مؤمن على المؤمنين فإنما هي: "حقوق واجبة بنفس الإيمان والتزامها بمنزلة التزام الصلاة و الزكاة و الصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله، وهده ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة " [مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 101].
وسائل تنمية الأخوة
لتنمية الأخوة في الله وسائل كثيرة ومتعددة ونجمل منها هنا:الحب في الله: فهذا أروع وأعظم أنواع الحب، أن يكون في الله ولله، فلا نفع ولا غرض دنيوياً وراءه، وفي الحديث القدسي: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء" (رواه الترمذي).
سلامة الصدر: وسيلة في غاية الأهمية لتقبل ما يبدر عن الآخرين بدون حقد أو ضغينة أو سوء نية، وكذلك لحمل الأقوال والأفعال على معانيها الحسنة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (رواه البخاري).
وعن عبد الله بن عمرو " قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه و لا بغي، ولا غل ولا حسد" (رواه ابن ماجة).
النصح و التواصي: إن المسلم لا يسير في طريق آمن لكنه يسير في طريق محفوف بالمكاره والمز الق والعقبات والفتن، وشياطين الإنس والجن له بالمرصاد؛ فهو أحوج في مثل هذا الطريق إلى من يأخذ بيده يرشده ويبصّره، ويذكّره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، وصدق الله العظيم إذ يقول: (والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
ولابد من أن نشير هنا لبعض آداب التواصي والنصح: كأن يكون سراً، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبأسلوب رقيق، يقول بعض السلف" أد النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أي وجه".
معرفة الفضل : قال تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) فمعرفة المسلم لفضل أخيه، بل ومحاولته البحث له عن فضل تجعله يحبه، ويتقبل منه، ويسمع له بدلاً من أن ينفر منه، ويتجنب لقاءه ، فإذا بحث كل واحد منا عن فضل لأخيه؛ فسوف يزدهر العمل، ويحس بقيمة أخيه وتأثيره و فضله.
المصارحة والمكاشفة: فهي تزيل عن القلب موانع تعطل تيار الأخوة مادامت تؤدى بطرقها السابق ذكرها، فلابد للمسلم من أن يصارح أخاه بما في صدره، فربما وجد عنده إجابة شافية تكفيه مؤونة الإرهاق الذهني والقلق، والتوتر الذي يؤثر حتماً على سلامة الصدر، وكذلك على المسلم أن يصارح بما يعتريه من تساؤلات أو شكوك دون أدنى حرج.
ولنا في الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الأسوة في ذلك، ففي بيعة العقبة الثانية وقف أبو الهيثم بن التيهان يصارح و يكاشف، ويستفسر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عما يجول في نفسه؛ فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال – يعني اليهود – حبالاً ، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟ قال كعب بن مالك: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "بل الدم الدم ، و الهدم الهدم، أنا منكم و أنتم مني، أحارب من حاربتم، و أسالم من سالمتم"، فهذه قمة المصارحة و المكاشفة حتى لما يجول في أغوار النفس، وقد تقبلها النبي -صلى الله عليه وسلم- برحابة صدر، وذلك درس في واجبات القيادة لتقبل المصارحة والمكاشفة بسلامة صدر، والعمل على إزالة ما قد يكون قد التبس على أذهان إخوانهم.
التسامح و التراحم: يجب أن يكون ديدن العاملين للإسلام هو التسامح و التراحم حتى لمن ظلمهم، فينبغي أن يعذر بعضنا بعضاً، وأن يسامح بعضنا بعضاً، وأن نتراحم فيما بيننا. وصدق الله العظيم إذ يقول: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران:159]. وفي الحديث "من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس" (رواه ابن ماجة) وفي رواية " من تنصل إليه فلم يقبل لم يرد الحوض" ( الطبراني ).
أعني بـ" فقه الأخوة في الله" كيف نتعامل بعضنا مع بعض؟ وكيف يفهم بعضنا بعضاً؟ وكيف يعذر بعضنا بعضاً؟ وكيف يحب بعضنا بعضاً؟ يل وكيف نختلف بعضنا مع بعض، تحت مظلة الحب في الله؟.
إن العمل الإسلامي في حاجة ماسة لهذا الفقه حتى لا يتسع الخلاف بين أفراد الصف الواحد، وحتى لا تضيع جهودنا جميعاً، فالأخوة ليست شعاراً يرفع ولا كلمات تردد، ولكنها عمل وفعل وتطبيق، إنها نظام حياة، وتعاون، وتكامل، وتكافل، إنها المرآة التي يرى كل منا فيها نفسه بصراحة، وشفافية ووضوح، وهي اليد التي تغسل الأخرى.
فإذا وصلنا إلى هذا المستوى؛ نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق النصر المأمول، ولنا في المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القدوة حين بدأ بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كخطوة أساسية وأولية بعد ترسيخ العقيدة والإيمان في النفوس.
أهمية الأخوة
الأخوة نعمة من الله على عباده المؤمنين لأنها رابطة يتعذر أن نجد مثلها في واقعنا المعاصر، فلا مصلحة ولا نفعاً مادياً من ورائها، إنما هي لله فقط، فهي أخوة بين القلوب و الأرواح برباط وثيق لا يمكن فصمه هو رباط العقيدة .
الأخوة من أوثق عرى الإيمان: وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، قال صلى الله عليه وسلم: " من أحب لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان "، وقال عليه الصلاة والسلام: " من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء، لا يحبه إلا لله عز وجل" .
وبها تُستجلب محبة الله تعالى: في الحديث القدسي" وجبت محبتي للمتحابين فيًّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ".
كما أنها سبيل إلى ظل عرش الله تعالى: فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله " رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" .
ويقول سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) وإنما تفيد الحصر والمعنى: ليس المؤمنون إلا أخوة قال تعالى: ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم).
يقول صاحب الظلال: "ولقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله، والتي لا تصنعها إلا هذه العقيدة، فاستحالت هذه القلوب النافرة، وهذه الطباع الشموس، إلى هذه الكتلة المتراصة المتآخية، الذلول بعضها مع بعض، المحب بعضها لبعض، المتآلف بعضها مع بعض، بهذا المستوى الذي لم يعرفه التاريخ، والذي تتمثل فيه حياة الجنة وسمتها البارزة – أو يمهد لحياة الجنة سمتها البارزة (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين). إن هذه العقيدة عجيبة فعلاً، إنها حين تخالط القلوب تلين جاسيها، وترقق حواشيها، وتندي جفافها، وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق، فإذا نظرة العين، ولمسة اليد، ونطق الجارحة، وخفقة القلب؛ ترانيم من التعارف و التعاطف، و الولاء و التناصر، والسماحة و الهوادة، لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب، ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب ....
وهذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في الله، وتوقع على أوتاره ألحان الخلوص له والالتقاء عليه فإذا استجابت وقعت تلك المعجزة التي لا يدري سرها إلا الله ولا يقدر عليها إلا الله.
ولقد من الله على عباده - وهو يدعوهم للوحدة وعدم الفرقة – بهذه النعمة الكبرى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)
هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله به على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائماً.
وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخواناً، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، و الأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال" [الظلال بتصرف يسير].
حقوق الأخوة
الأخوة في الإسلام ليست من نوافل القول، بل هي أساس وعقيدة راسخة في النفس، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
وقد روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن تسلم عليه إذا لقينه، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات، وتبر قسمه إذا أقسم عليك، وتنصح إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إن غاب عنك، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك".
و عن أنس- رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من حق المسلمين عليك: أن تعين محسنهم، وأن تستغفر لمذنبهم، وأن تدعو لغائبهم، وأن تجب تائبهم" .
ولقد تكلم ابن تيمية عن (عقد الأخوة) هذا، وبين أن الحقوق التي ينشئها إذا كانت من جنس ما أقره النبي -صلى الله علية وسلم- في أحاديثه لكل مؤمن على المؤمنين فإنما هي: "حقوق واجبة بنفس الإيمان والتزامها بمنزلة التزام الصلاة و الزكاة و الصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله، وهده ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة " [مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 101].
وسائل تنمية الأخوة
لتنمية الأخوة في الله وسائل كثيرة ومتعددة ونجمل منها هنا:الحب في الله: فهذا أروع وأعظم أنواع الحب، أن يكون في الله ولله، فلا نفع ولا غرض دنيوياً وراءه، وفي الحديث القدسي: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء" (رواه الترمذي).
سلامة الصدر: وسيلة في غاية الأهمية لتقبل ما يبدر عن الآخرين بدون حقد أو ضغينة أو سوء نية، وكذلك لحمل الأقوال والأفعال على معانيها الحسنة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (رواه البخاري).
وعن عبد الله بن عمرو " قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه و لا بغي، ولا غل ولا حسد" (رواه ابن ماجة).
النصح و التواصي: إن المسلم لا يسير في طريق آمن لكنه يسير في طريق محفوف بالمكاره والمز الق والعقبات والفتن، وشياطين الإنس والجن له بالمرصاد؛ فهو أحوج في مثل هذا الطريق إلى من يأخذ بيده يرشده ويبصّره، ويذكّره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، وصدق الله العظيم إذ يقول: (والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
ولابد من أن نشير هنا لبعض آداب التواصي والنصح: كأن يكون سراً، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبأسلوب رقيق، يقول بعض السلف" أد النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أي وجه".
معرفة الفضل : قال تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) فمعرفة المسلم لفضل أخيه، بل ومحاولته البحث له عن فضل تجعله يحبه، ويتقبل منه، ويسمع له بدلاً من أن ينفر منه، ويتجنب لقاءه ، فإذا بحث كل واحد منا عن فضل لأخيه؛ فسوف يزدهر العمل، ويحس بقيمة أخيه وتأثيره و فضله.
المصارحة والمكاشفة: فهي تزيل عن القلب موانع تعطل تيار الأخوة مادامت تؤدى بطرقها السابق ذكرها، فلابد للمسلم من أن يصارح أخاه بما في صدره، فربما وجد عنده إجابة شافية تكفيه مؤونة الإرهاق الذهني والقلق، والتوتر الذي يؤثر حتماً على سلامة الصدر، وكذلك على المسلم أن يصارح بما يعتريه من تساؤلات أو شكوك دون أدنى حرج.
ولنا في الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الأسوة في ذلك، ففي بيعة العقبة الثانية وقف أبو الهيثم بن التيهان يصارح و يكاشف، ويستفسر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عما يجول في نفسه؛ فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال – يعني اليهود – حبالاً ، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟ قال كعب بن مالك: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "بل الدم الدم ، و الهدم الهدم، أنا منكم و أنتم مني، أحارب من حاربتم، و أسالم من سالمتم"، فهذه قمة المصارحة و المكاشفة حتى لما يجول في أغوار النفس، وقد تقبلها النبي -صلى الله عليه وسلم- برحابة صدر، وذلك درس في واجبات القيادة لتقبل المصارحة والمكاشفة بسلامة صدر، والعمل على إزالة ما قد يكون قد التبس على أذهان إخوانهم.
التسامح و التراحم: يجب أن يكون ديدن العاملين للإسلام هو التسامح و التراحم حتى لمن ظلمهم، فينبغي أن يعذر بعضنا بعضاً، وأن يسامح بعضنا بعضاً، وأن نتراحم فيما بيننا. وصدق الله العظيم إذ يقول: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران:159]. وفي الحديث "من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس" (رواه ابن ماجة) وفي رواية " من تنصل إليه فلم يقبل لم يرد الحوض" ( الطبراني ).