010 سورة يونس
بسم الله الرحمن الرحيم
{ آلر } الله اعلم بمراده بذلك { تلك } أي هذه الآيات { آيات الكتاب } القرآن والإضافة بمعنى من { الحكيم } المحكم
{ أكان الناس } أي أهل مكة استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله { عجبا } بالنصب خبر كان وبالرفع اسمها والخبر وهو اسمها على الأولى { أن أوحينا } أي إيحاؤنا { إلى رجل منهم } محمد صلى الله عليه وسلم { أن } مفسرة { أنذر } خوف { الناس } الكافرين بالعذاب { وبشر الذين آمنوا أن } أي بأنهم { لهم قدم } سلف { صدق عند ربهم } أي أجرا حسنا بما قدموه من الأعمال { قال الكافرون إن هذا } القرآن المشتمل على ذلك { لسحر مبين } بين وفي قراءة لساحر والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر ولو شاء لخلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت { ثم استوى على العرش } استواء يليق به { يدبر الأمر } بين الخلائق { ما من } صلة { شفيع } يشفع لأحد { إلا من بعد إذنه } ردا لقولهم إن الأصنام تشفع لهم { ذلكم } الخالق المدبر { الله ربكم فاعبدوه } وحدوه { أفلا تذكرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال
{ إليه } تعالى { مرجعكم جميعا وعد الله حقا } مصدران منصوبان بفعلهما المقدر { إنه } بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام { يبدأ الخلق } أي بدأه بالإنشاء { ثم يعيده } بالبعث { ليجزي } يثيب { الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء بالغ نهاية الحرارة { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } أي بسبب كفرهم
{ هو الذي جعل الشمس ضياء } ذات ضياء أي نور { والقمر نورا وقدره } من حيث سيره { منازل } ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين لي لة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة وعشرين يوما { لتعلموا } بذلك { عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك } المذكور { إلا بالحق } لا عبثا تعالى عن ذلك { يفصل } بالياء والنون { الآيات لقوم يعلمون } يتدبرون
{ إن في اختلاف الليل والنهار } بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان { وما خلق الله في السماوات } من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك { و } في { الأرض } من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها { لآيات } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يتقون } ه فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها
{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } بالبعث { ورضوا بالحياة الدنيا } بدل الآخرة لإنكارهم لها { واطمأنوا بها } سكنوا إليها { والذين هم عن آياتنا } دلائل وحدانيتنا { غافلون } تاركون النظر فيها
{ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } من الشرك والمعاصي
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم } يرشدهم { ربهم بإيمانهم } به بأن جعل لهم نورا يهتدون به يوم القيامة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم }
{ دعواهم فيها } طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا { سبحانك اللهم } أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم { وتحيتهم } فيما يبنهم { فيها سلام وآخر دعواهم أن } مفسرة { الحمد لله رب العالمين } ونزل لما استعجل المشركون العذاب
{ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم } أي كاستعجالهم { بالخير لقضى } بالبناء للمفعول وللفاعل { إليهم أجلهم } بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم { فنذر بترك الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } يترددون متحيرين
{ وإذا مس الإنسان } الكافر { الضر } المرض والفقر { دعانا لجنبه } أي مضطجعا { أو قاعدا أو قائما } أي في كل حال { فلما كشفنا عنه ضره مر } على كفره { كأن } مخففة واسمها محذوف أي كأنه { لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك } كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء { زين للمسرفين } المشركين { ما كانوا يعملون }
ولقد أهلكنا القرون } الأمم { من قبلكم } يا أهل مكة { لما ظلموا } بالشرك { و } قد { جاءتهم رسلهم بالبينات } الدالات على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } عطف على ظلموا { كذلك } كما أهلكنا أولئك { نجزي القوم المجرمين } الكافرين
{ ثم جعلناكم } يا أهل مكة { خلائف } جمع خليفة { في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا } القرآن { بينات } ظاهرات { قال الذين لا يرجون لقاءنا } لا يخافون البعث { ائت بقرآن غير هذا } ليس فيه عيب آلهتنا { أو بدله } من تلقاء نفسك { قل } لهم { ما يكون } ينبغي { لي أن أبدله من تلقاء } قبل { نفسي إن } ما { أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي } بتبديله { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة
{ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم } أعلمكم { به } ولا نافية عطف على ما قبله وفي قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري { فقد لبثت } مكثت { فيكم عمرا } سنينا أربعين { من قبله } لا أحدثكم بشيء { أفلا تعقلون } أنه ليس من قبلي
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك إليه { أو كذب بآياته } القرآن { إنه } أي الشأن { لا يفلح } يسعد { المجرمون } المشركون
{ ويعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يضرهم } إن لم يعبدوه { ولا ينفعهم } إن عبدوه وهو الأصنام { ويقولون } عنها { هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل } لهم { أتنبئون الله } تخبرونه { بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفى عليه شيء { سبحانه } تنزيها له { وتعالى عما يشركون } ه معه
{ وما كان الناس إلا أمة واحدة } على دين واحد وهو الإسلام من لدن آدم إلى نوح وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحي { فاختلفوا } بأن ثبت بعض وكفر بعض { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } أي الناس في الدنيا { فيما فيه مختلفون } من الدين بتعذيب الكافرين
{ ويقولون } أي أهل مكة { لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { آية من ربه } كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد { فقل } لهم { إنما الغيب } ما غاب عن العباد أي أمره { لله } ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علي التبليغ { فانتظروا } العذاب إن لم تؤمنوا { إني معكم من المنتظرين }
{ وإذا أذقنا الناس } أي كفار مكة { رحمة } مطرا وخصبا { منا بعد ضراء } بؤس وجدب { مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } بالاستهزاء والتكذيب { قل } لهم { الله أسرع مكرا } مجازاة { إن رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } بالياء والتاء
{ هو الذي يسيركم } وفي قراءة ينشركم { في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك } السفن { وجرين بهم } فيه التفات عن الخطاب { بريح طيبة } لينة { وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف } شديدة الهبوب تكسر كل شيء { وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم } أي أهلكوا { دعوا الله مخلصين له الدين } الدعاء { لئن } لام قسم { أنجيتنا من هذه } الأهوال { لنكونن من الشاكرين } الموحدين
{ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } بالشرك { يأيها الناس إنما بغيكم } ظلمكم { على أنفسكم } لأن إثمه عليها هو { متاع الحياة الدنيا } تمتعون فيها قليلا { ثم إلينا مرجعكم } بعد الموت { فننبئكم بما كنتم تعملون } فنجازيكم عليه وفي قراءة بنصب متاع أي تتمتعون
{ إنما مثل } صفة { الحياة الدنيا كماء } مطر { أنزلناه من السماء فاختلط به } بسببه { نبات الأرض } واشتبك بعضه ببعض { مما يأكل الناس } من البر والشعير وغيرهما { والأنعام } من الكلإ { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها } بهجتها من النبات { وازينت } بالزهر وأصله تزينت أبدلت التاء زايا وادغمت في الزاي { وظن أهلها أنهم قادرون عليها } متمكنون من تحصيل ثمارها { أتاها أمرنا } قضاؤنا أو عذابنا { ليلا أو نهارا فجعلناها } أي زرعها { حصيدا } كالمحصود بالمنجل { كأن } مخففة أي كأنها { لم تغن } تكن { بالأمس كذلك نفصل } نبين { الآيات لقوم يتفكرون }
{ والله يدعو إلى دار السلام } أي السلامة وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان { ويهدي من يشاء } هدايته { إلى صراط مستقيم } دين الإسلام
{ للذين أحسنوا } بالإيمان { الحسنى } الجنة { وزيادة } هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم { ولا يرهق } يغشى { وجوههم قتر } سواد { ولا ذلة } كآبة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }
{ والذين } عطف على للذين أي وللذين { كسبوا السيئات } عملوا الشرك { جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من } زائدة { عاصم } مانع { كأنما أغشيت } ألبست { وجوههم قطعا } بفتح الطاء جمع قطعة وإسكانها أي جزءا { من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
{ و } اذكر { يوم نحشرهم } أي الخلق { جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } نصب بالزموا مقدرا { أنتم } تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه { وشركاؤكم } أي الأصنام { فزيلنا } ميزنا { بينهم } وبين المؤمنين كما في آية { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } { وقال } لهم { شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون } ما نافية وقدم المفعول للمفاصلة
{ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن } مخففة أي أن { كنا عن عبادتكم لغافلين }
{ هنالك } أي ذلك اليوم { تبلوا } من البلوى وفي قراءة بتاءين من التلاوة { كل نفس ما اسلفت } قدمت من العمل { وردوا إلى الله مولاهم الحق } الثابت الدائم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } عليه من الشركاء
{ قل } لهم { من يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات { أمن يملك السمع } بمعنى الأسماع أي خلقها { والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر } بين الخلائق { فسيقولون } هو { الله فقل } لهم { أفلا تتقون } ه فتؤمنون
{ فذلكم } الفاعل لهذه الأشياء { الله ربكم الحق } الثابت { فماذا بعد الحق إلا الضلال } استفهام تقرير أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال { فأنى } كيف { تصرفون } عن الإيمان مع قيام البرهان
{ كذلك } كما صرف هؤلاء عن الإيمان { حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } كفروا وهي { لأملأن جهنم } الآية أو هي { أنهم لا يؤمنون }
{ قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل
{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } بنصب الحجج وخلق الاهتداء { قل الله يهدي للحق فمن يهدي إلى الحق } وهو الله { أحق أن يتبع أمن لا يهدي } يهتدي { إلا أن يهدى } أحق أن يتبع استفهام تقرير وتوبيخ أي الأول أحق { فما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه
{ وما يتبع أكثرهم } في عبادة الأصنام { إلا ظنا } حيث قلدوا فيه آباءهم { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } فيما المطلوب منه العلم { إن الله عليم بما يفعلون } فيجازيهم عليه
{ وما كان هذا القرآن أن يفترى } أي افتراء { من دون الله } أي غيره { ولكن } أنزل { تصديق الذي بين يديه } من الكتب { وتفصيل الكتاب } تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها { لا ريب } شك { فيه من رب العالمين } متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو
{ أم } بل أ { يقولون افتراه } اختلقه محمد { قل فأتوا بسورة مثله } في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي { وادعوا } للإعانة عليه { من استطعتم من دون الله } أي غيره { إن كنتم صادقين } في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك قال تعالى
{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } أي القرآن ولم يتدبروه { ولما } لم { يأتهم تأويله } عاقبة ما فيه من الوعيد { كذلك } التكذيب { كذب الذين من قبلهم } رسلهم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نهلك هؤلاء
{ ومنهم } أي أهل مكة { من يؤمن به } لعلم الله ذلك منهم { ومنهم من لا يؤمن به } أبدا { وربك أعلم بالمفسدين } تهديد لهم
{ وإن كذبوك فقل } لهم { لي عملي ولكم عملكم } أي لكل جزاء عمله { أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } وهذا منسوخ بآية السيف
{ ومنهم من يستمعون إليك } إذا قرأت القرآن { أفأنت تسمع الصم } شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم { ولو كانوا } مع الصم { لا يعقلون } يتدبرون
{ ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } شبههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون }
{ ويوم نحشرهم كأن } أي كأنهم { لم يلبثوا } في الدنيا أو القبور { إلا ساعة من النهار } لهول ما رأوا وجملة التشبيه حال من الضمير { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال والجملة حال مقدرة أو متعلق بالظرف { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } بالبعث { وما كانوا مهتدين }
{ وإما } فيه ادغام نون إن الشرطية في ما المزيدة { نرينك بعض الذي نعدهم } به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك { أو نتوفينك } قبل تعذيبهم { فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد } مطلع { على ما يفعلون } من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب
{ ولكل أمة } من الأمم { رسول فإذا جاء رسولهم } إليهم فكذبوه { قضي بينهم بالقسط } بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه { وهم لا يظلمون } بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالعذاب { إن كنتم صادقين } فيه
{ قل لا أملك لنفسي ضرا } أدفعه { ولا نفعا } أجلبه { إلا ما شاء الله } أن يقدرني عليه فكيف أملك لكم حلول العذاب { لكل أمة أجل } مدة معلومة لهلاكهم { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون } يتأخرون عنه { ساعة ولا يستقدمون } يتقدمون عليه
{ قل أرأيتم } أخبروني { إن أتاكم عذابه } أي الله { بياتا } ليلا { أو نهارا ماذا } أي شيء { يستعجل منه } أي العذاب { المجرمون } المشركون فيه وضع الظاهر موضع المضمر وجملة الاستفهام جواب الشرط كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه
{ أثم إذا ما وقع } حل بكم { آمنتم به } أي الله أو العذاب عند نزوله والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم { الآن } تؤمنون { وقد كنتم به تستعجلون } استهزاء
{ ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد } أي الذي تخلدون فيه { هل } ما { تجزون إلا } جزاء { بما كنتم تكسبون }
{ ويستنبئونك } يستخبرونك { أحق هو } أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث { قل أي } نعم { وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين } بفائتين العذاب
{ ولو أن لكل نفس ظلمت } كفرت { ما في الأرض } جميعا من الأموال { لافتدت به } من العذاب يوم القيامة { وأسروا الندامة } على ترك الإيمان { لما رأوا العذاب } أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير { وقضي بينهم } بين الخلائق { بالقسط } بالعدل { وهم لا يظلمون } شيئا
{ ألا أن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله } بالبعث والجزاء { حق } ثابت { ولكن أكثرهم } أي الناس { لا يعلمون } ذلك
{ هو يحيي ويميت وإليه ترجعون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءتكم موعظة من ربكم } كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن { وشفاء } دواء { لما في الصدور } من العقائد الفاسدة والشكوك { وهدى } من الضلال { ورحمة للمؤمنين } به
{ قل بفضل الله } الإسلام { وبرحمته } القرآن { فبذلك } الفضل والرحمة { فليفرحوا هو خير مما يجمعون } من الدنيا بالياء والتاء
{ قل أرأيتم } أخبروني { ما أنزل الله } خلق { لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا } كالبحيرة والسائبة والميتة { قل آلله أذن لكم } في ذلك بالتحليل والتحريم { أم على الله تفترون } تكذبون بنسبة ذلك إليه
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } أي أي شيء ظنهم به { يوم القيامة } أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا { إن الله لذو فضل على الناس } بإمهالهم والإنعام عليهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون }
{ وما تكون } يا محمد { في شأن } أمر { وما تتلو منه } أي من الشأن أو الله { من قرآن } أنزله عليك { ولا تعملون } خاطبه وأمته { من عمل إلا كنا عليكم شهودا } رقباء { إذ تفيضون } تأخذون { فيه } أي العمل { وما يعزب } يغيب { عن ربك من مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة { في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } بين هو اللوح المحفوظ
{ ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة 63 هم { الذين آمنوا وكانوا يتقون } الله بامتثال أمره ونهيه
{ لهم البشرى في الحياة الدنيا } فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له { وفي الآخرة } الجنة والثواب { لا تبديل لكلمات الله } لا خلف لمواعيده { ذلك } المذكور { هو الفوز العظيم }
{ ولا يحزنك قولهم } لك لست مرسلا وغيره { إن } استئناف { العزة } القوة { لله جميعا هو السميع } للقول { العليم } بالفعل فيجازيهم وينصرك
{ ألا أن الله من في السماوات ومن في الأرض } عبيدا وملكا وخلقا { وما يتبع الذين يدعون } يعبدون { من دون الله } أي غيره أصناما { شركاء } له على الحقيقة تعالى عن ذلك { إن } ما { يتبعون } في ذلك { إلا الظن } أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم { وإن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون في ذلك
{ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه { إن في ذلك لآيات } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يسمعون } سماع تدبر واتعاظ
{ قالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الله ولدا } قال تعالى لهم { سبحانه } تنزيها له عن الولد { هو الغني } عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه { له ما في السماوات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { إن } ما { عندكم من سلطان } حجة { بهذا } الذي تقولونه { أتقولون على الله ما لا تعلمون } استفهام توبيخ
{ قل إن الذين يفترون على الله الكذب } بنسبة الولد إليه { لا يفلحون } لا يسعدون
لهم { متاع } قليل { في الدنيا } يتمتعون به مدة حياتهم { ثم إلينا مرجعهم } بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد } بعد الموت { بما كانوا يكفرون }
{ واتل } يا محمد { عليهم } أي كفار مكة { نبأ } خبر { نوح } ويبدل منه { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر } شق { عليكم مقامي } لبثي فيكم { وتذكيري } وعظي إياكم { بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم } اعزموا على أمر تفعلونه بي { وشركاءكم } الواو بمعنى مع { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } مستورا بل أظهروه وجاهروني به { غمة ثم أقضوا إلي } امضوا فيما أردتموه { ولا تنظرون } تمهلون فإني لست مباليا بكم
{ فإن توليتم } عن تذكيري { فما سألتكم من أجر } ثواب عليه فتولوا { إن } ما { أجري } ثوابي { إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }
{ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك } السفينة { وجعلناهم } أي من معه { خلائف } في الأرض { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } بالطوفان { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب
{ ثم بعثنا من بعده } أي نوح { رسلا إلى قومهم } كإبراهيم وهود وصالح { فجاءوهم بالبينات } المعجزات { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } أي قبل بعث الرسل إليهم { كذلك نطبع } نختم { على قلوب المعتدين } فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه } قومه { بآياتنا } التسع { فاستكبروا } عن الإيمان بها { وكانوا قوما مجرمين }
{ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين } بين ظاهر
{ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم } إنه لسحر { أسحر هذا } وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة { ولا يفلح الساحرون } والاستفهام في الموضعين للإنكار
{ قالوا أجئتنا لتلفتنا } لتردنا { عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء } الملك { في الأرض } أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } مصدقين
{ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } فائق في علم السحر
{ فلما جاء السحرة قال لهم موسى } بعد ما قالوا له { إما ان تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } { ألقوا ما أنتم ملقون }
{ فلما ألقوا } حبالهم وعصيهم { قال موسى ما } استفهامية مبتدأ خبره { جئتم به السحر } بدل وفي قراءة بهمزة واحدة إخبار فما اسم موصول مبتدأ { إن الله سيبطله } أي سيمحقه { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }
{ ويحق } يثبت ويظهر { الله الحق بكلماته } بمواعيده { ولو كره المجرمون }
{ فما آمن لموسى إلا ذرية } طائفة { من } أولاد { قومه } أي فرعون { على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } يصرفهم عن دينه بتعذيبه { وإن فرعو لعال } متكبر { في الأرض } أرض مصر { وإنه لمن المسرفين } المتجاوزون الحد بإدعاء الربوبية
{ وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }
{ فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا
{ ونجنا برحمتك من القوم الكافرين }
{ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ } اتخذا { لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة } مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف وكان فرعون منعهم من الصلاة { وأقيموا الصلاة } أتموها { وبشر المؤمنين } بالنصر والجنة
{ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا } آتيتهم ذلك { ليضلوا } في { عن سبيلك } دينك { ربنا اطمس على أموالهم } امسخها { واشدد على قلوبهم } اطبع عليها واستوثق { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } المؤلم دعا عليه وأمن هارون على دعائه
{ قال } تعالى { قد أجيبت دعوتكما } فمسخت أموالهم حجارة ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق { فاستقيما } على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } في استعجال قضائي روى أنه مكث بعدها أربعين سنة
{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم } لحقهم { فرعون وجنوده بغيا وعدوا } مفعول له { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه } أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا { لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } كرره ليقبل منه فلم يقبل ودس جبريل في فيه من حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له
{ آلآن } تؤمن { وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } بضلالك وإضلالك عن الإيمان
{ فاليوم ننجيك } نخرجك من البحر { ببدنك } جسدك الذي لا روح فيه { لتكون لمن خلفك } بعدك { آية } عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وعن بن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه { وإن كثيرا من الناس } أي أهل مكة { عن آياتنا لغافلون } لا يعتبرون بها
{ ولقد بوأنا } أنزلنا { بني إسرائيل مبوأ صدق } منزلة كرامة وهو الشام ومصر { ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا } بأن آمن بعض وكفر بعض { حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين
فإن كنت } يا محمد { في شك مما أنزلنا إليك } من القصص فرضا { فاسأل الذين يقرءون الكتاب } التوراة { من قبلك } فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه قال صلى الله عليه وسلم لا أشك ولا أسأل { لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } الشاكين فيه
{ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين }
{ إن الذين حقت } وجبت { عليهم كلمة ربك } بالعذاب { لا يؤمنون }
{ ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } فلا ينفعهم حينئذ
{ فلولا } فهلا { كانت قرية } أريد أهلها { آمنت } قبل نزول العذاب بها { فنفعها إيمانها إلا } لكن { قوم يونس لما آمنوا } عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله { كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } انقضاء آجالهم
{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس } بما لم يشأه الله منهم { حتى يكونوا مؤمنين } لا
{ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } بإرادته { ويجعل الرجس } العذاب { على الذين لا يعقلون } يتدبرون آيات الله
{ قل } لكفار مكة { انظروا ماذا } أي الذي { في السماوات والأرض } من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى { وما تغني الآيات والنذر } جمع نذير أي الرسل { عن قوم لا يؤمنون } في علم الله أي ما تنفعهم
{ فهل } فما { ينتظرون } بتكذيبك { إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب { قل فانتظروا } ذلك { إني معكم من المنتظرين }
{ ثم ننجي } المضارع لحكاية الحال الماضي { رسلنا والذين آمنوا } من العذاب { كذلك } الإنجاء { حقا علينا ننجي المؤمنين } النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم في شك من ديني } أنه حق { فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله } أي غيره وهو الأصنام لشككم فيه { ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم } يقبض أرواحكم { وأمرت أن } أي بأن { أكون من المؤمنين }
{ و } قيل لي { أن أقم وجهك للدين حنيفا } مائلا إليه { ولا تكونن من المشركين }
{ ولا تدع } تعبد { من دون الله ما لا ينفعك } إن عبدته { ولا يضرك } إن لم تعبده { فإن فعلت } ذلك فرضا { فإنك إذا من الظالمين }
{ وإن يمسسك } يصبك { الله بضر } كفقر ومرض { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد } دافع { لفضله } الذي أرادك به { يصيب به } أي بالخير { من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم }
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } لأن ثواب اهتدائه له { ومن ضل فإنما يضل عليها } لأن وبال ضلاله عليها { وما أنا عليكم بوكيل } فأجبركم على الهدى
{ واتبع ما يوحى إليك } من ربك { واصبر } على الدعوة وأذاهم { حتى يحكم الله } فيهم بأمره { وهو خير الحاكمين } أعدلهم وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية
بسم الله الرحمن الرحيم
{ آلر } الله اعلم بمراده بذلك { تلك } أي هذه الآيات { آيات الكتاب } القرآن والإضافة بمعنى من { الحكيم } المحكم
{ أكان الناس } أي أهل مكة استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله { عجبا } بالنصب خبر كان وبالرفع اسمها والخبر وهو اسمها على الأولى { أن أوحينا } أي إيحاؤنا { إلى رجل منهم } محمد صلى الله عليه وسلم { أن } مفسرة { أنذر } خوف { الناس } الكافرين بالعذاب { وبشر الذين آمنوا أن } أي بأنهم { لهم قدم } سلف { صدق عند ربهم } أي أجرا حسنا بما قدموه من الأعمال { قال الكافرون إن هذا } القرآن المشتمل على ذلك { لسحر مبين } بين وفي قراءة لساحر والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر ولو شاء لخلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت { ثم استوى على العرش } استواء يليق به { يدبر الأمر } بين الخلائق { ما من } صلة { شفيع } يشفع لأحد { إلا من بعد إذنه } ردا لقولهم إن الأصنام تشفع لهم { ذلكم } الخالق المدبر { الله ربكم فاعبدوه } وحدوه { أفلا تذكرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال
{ إليه } تعالى { مرجعكم جميعا وعد الله حقا } مصدران منصوبان بفعلهما المقدر { إنه } بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام { يبدأ الخلق } أي بدأه بالإنشاء { ثم يعيده } بالبعث { ليجزي } يثيب { الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء بالغ نهاية الحرارة { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } أي بسبب كفرهم
{ هو الذي جعل الشمس ضياء } ذات ضياء أي نور { والقمر نورا وقدره } من حيث سيره { منازل } ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين لي لة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة وعشرين يوما { لتعلموا } بذلك { عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك } المذكور { إلا بالحق } لا عبثا تعالى عن ذلك { يفصل } بالياء والنون { الآيات لقوم يعلمون } يتدبرون
{ إن في اختلاف الليل والنهار } بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان { وما خلق الله في السماوات } من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك { و } في { الأرض } من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها { لآيات } دلالات على قدرته تعالى { لقوم يتقون } ه فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها
{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } بالبعث { ورضوا بالحياة الدنيا } بدل الآخرة لإنكارهم لها { واطمأنوا بها } سكنوا إليها { والذين هم عن آياتنا } دلائل وحدانيتنا { غافلون } تاركون النظر فيها
{ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } من الشرك والمعاصي
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم } يرشدهم { ربهم بإيمانهم } به بأن جعل لهم نورا يهتدون به يوم القيامة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم }
{ دعواهم فيها } طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا { سبحانك اللهم } أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم { وتحيتهم } فيما يبنهم { فيها سلام وآخر دعواهم أن } مفسرة { الحمد لله رب العالمين } ونزل لما استعجل المشركون العذاب
{ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم } أي كاستعجالهم { بالخير لقضى } بالبناء للمفعول وللفاعل { إليهم أجلهم } بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم { فنذر بترك الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } يترددون متحيرين
{ وإذا مس الإنسان } الكافر { الضر } المرض والفقر { دعانا لجنبه } أي مضطجعا { أو قاعدا أو قائما } أي في كل حال { فلما كشفنا عنه ضره مر } على كفره { كأن } مخففة واسمها محذوف أي كأنه { لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك } كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء { زين للمسرفين } المشركين { ما كانوا يعملون }
ولقد أهلكنا القرون } الأمم { من قبلكم } يا أهل مكة { لما ظلموا } بالشرك { و } قد { جاءتهم رسلهم بالبينات } الدالات على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } عطف على ظلموا { كذلك } كما أهلكنا أولئك { نجزي القوم المجرمين } الكافرين
{ ثم جعلناكم } يا أهل مكة { خلائف } جمع خليفة { في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا } القرآن { بينات } ظاهرات { قال الذين لا يرجون لقاءنا } لا يخافون البعث { ائت بقرآن غير هذا } ليس فيه عيب آلهتنا { أو بدله } من تلقاء نفسك { قل } لهم { ما يكون } ينبغي { لي أن أبدله من تلقاء } قبل { نفسي إن } ما { أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي } بتبديله { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة
{ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم } أعلمكم { به } ولا نافية عطف على ما قبله وفي قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري { فقد لبثت } مكثت { فيكم عمرا } سنينا أربعين { من قبله } لا أحدثكم بشيء { أفلا تعقلون } أنه ليس من قبلي
{ فمن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبة الشريك إليه { أو كذب بآياته } القرآن { إنه } أي الشأن { لا يفلح } يسعد { المجرمون } المشركون
{ ويعبدون من دون الله } أي غيره { ما لا يضرهم } إن لم يعبدوه { ولا ينفعهم } إن عبدوه وهو الأصنام { ويقولون } عنها { هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل } لهم { أتنبئون الله } تخبرونه { بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفى عليه شيء { سبحانه } تنزيها له { وتعالى عما يشركون } ه معه
{ وما كان الناس إلا أمة واحدة } على دين واحد وهو الإسلام من لدن آدم إلى نوح وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحي { فاختلفوا } بأن ثبت بعض وكفر بعض { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } أي الناس في الدنيا { فيما فيه مختلفون } من الدين بتعذيب الكافرين
{ ويقولون } أي أهل مكة { لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { آية من ربه } كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد { فقل } لهم { إنما الغيب } ما غاب عن العباد أي أمره { لله } ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علي التبليغ { فانتظروا } العذاب إن لم تؤمنوا { إني معكم من المنتظرين }
{ وإذا أذقنا الناس } أي كفار مكة { رحمة } مطرا وخصبا { منا بعد ضراء } بؤس وجدب { مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } بالاستهزاء والتكذيب { قل } لهم { الله أسرع مكرا } مجازاة { إن رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } بالياء والتاء
{ هو الذي يسيركم } وفي قراءة ينشركم { في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك } السفن { وجرين بهم } فيه التفات عن الخطاب { بريح طيبة } لينة { وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف } شديدة الهبوب تكسر كل شيء { وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم } أي أهلكوا { دعوا الله مخلصين له الدين } الدعاء { لئن } لام قسم { أنجيتنا من هذه } الأهوال { لنكونن من الشاكرين } الموحدين
{ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } بالشرك { يأيها الناس إنما بغيكم } ظلمكم { على أنفسكم } لأن إثمه عليها هو { متاع الحياة الدنيا } تمتعون فيها قليلا { ثم إلينا مرجعكم } بعد الموت { فننبئكم بما كنتم تعملون } فنجازيكم عليه وفي قراءة بنصب متاع أي تتمتعون
{ إنما مثل } صفة { الحياة الدنيا كماء } مطر { أنزلناه من السماء فاختلط به } بسببه { نبات الأرض } واشتبك بعضه ببعض { مما يأكل الناس } من البر والشعير وغيرهما { والأنعام } من الكلإ { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها } بهجتها من النبات { وازينت } بالزهر وأصله تزينت أبدلت التاء زايا وادغمت في الزاي { وظن أهلها أنهم قادرون عليها } متمكنون من تحصيل ثمارها { أتاها أمرنا } قضاؤنا أو عذابنا { ليلا أو نهارا فجعلناها } أي زرعها { حصيدا } كالمحصود بالمنجل { كأن } مخففة أي كأنها { لم تغن } تكن { بالأمس كذلك نفصل } نبين { الآيات لقوم يتفكرون }
{ والله يدعو إلى دار السلام } أي السلامة وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان { ويهدي من يشاء } هدايته { إلى صراط مستقيم } دين الإسلام
{ للذين أحسنوا } بالإيمان { الحسنى } الجنة { وزيادة } هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم { ولا يرهق } يغشى { وجوههم قتر } سواد { ولا ذلة } كآبة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }
{ والذين } عطف على للذين أي وللذين { كسبوا السيئات } عملوا الشرك { جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من } زائدة { عاصم } مانع { كأنما أغشيت } ألبست { وجوههم قطعا } بفتح الطاء جمع قطعة وإسكانها أي جزءا { من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
{ و } اذكر { يوم نحشرهم } أي الخلق { جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } نصب بالزموا مقدرا { أنتم } تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه { وشركاؤكم } أي الأصنام { فزيلنا } ميزنا { بينهم } وبين المؤمنين كما في آية { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } { وقال } لهم { شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون } ما نافية وقدم المفعول للمفاصلة
{ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن } مخففة أي أن { كنا عن عبادتكم لغافلين }
{ هنالك } أي ذلك اليوم { تبلوا } من البلوى وفي قراءة بتاءين من التلاوة { كل نفس ما اسلفت } قدمت من العمل { وردوا إلى الله مولاهم الحق } الثابت الدائم { وضل } غاب { عنهم ما كانوا يفترون } عليه من الشركاء
{ قل } لهم { من يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات { أمن يملك السمع } بمعنى الأسماع أي خلقها { والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر } بين الخلائق { فسيقولون } هو { الله فقل } لهم { أفلا تتقون } ه فتؤمنون
{ فذلكم } الفاعل لهذه الأشياء { الله ربكم الحق } الثابت { فماذا بعد الحق إلا الضلال } استفهام تقرير أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال { فأنى } كيف { تصرفون } عن الإيمان مع قيام البرهان
{ كذلك } كما صرف هؤلاء عن الإيمان { حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } كفروا وهي { لأملأن جهنم } الآية أو هي { أنهم لا يؤمنون }
{ قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل
{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } بنصب الحجج وخلق الاهتداء { قل الله يهدي للحق فمن يهدي إلى الحق } وهو الله { أحق أن يتبع أمن لا يهدي } يهتدي { إلا أن يهدى } أحق أن يتبع استفهام تقرير وتوبيخ أي الأول أحق { فما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه
{ وما يتبع أكثرهم } في عبادة الأصنام { إلا ظنا } حيث قلدوا فيه آباءهم { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } فيما المطلوب منه العلم { إن الله عليم بما يفعلون } فيجازيهم عليه
{ وما كان هذا القرآن أن يفترى } أي افتراء { من دون الله } أي غيره { ولكن } أنزل { تصديق الذي بين يديه } من الكتب { وتفصيل الكتاب } تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها { لا ريب } شك { فيه من رب العالمين } متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو
{ أم } بل أ { يقولون افتراه } اختلقه محمد { قل فأتوا بسورة مثله } في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي { وادعوا } للإعانة عليه { من استطعتم من دون الله } أي غيره { إن كنتم صادقين } في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك قال تعالى
{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } أي القرآن ولم يتدبروه { ولما } لم { يأتهم تأويله } عاقبة ما فيه من الوعيد { كذلك } التكذيب { كذب الذين من قبلهم } رسلهم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نهلك هؤلاء
{ ومنهم } أي أهل مكة { من يؤمن به } لعلم الله ذلك منهم { ومنهم من لا يؤمن به } أبدا { وربك أعلم بالمفسدين } تهديد لهم
{ وإن كذبوك فقل } لهم { لي عملي ولكم عملكم } أي لكل جزاء عمله { أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } وهذا منسوخ بآية السيف
{ ومنهم من يستمعون إليك } إذا قرأت القرآن { أفأنت تسمع الصم } شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم { ولو كانوا } مع الصم { لا يعقلون } يتدبرون
{ ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } شبههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون }
{ ويوم نحشرهم كأن } أي كأنهم { لم يلبثوا } في الدنيا أو القبور { إلا ساعة من النهار } لهول ما رأوا وجملة التشبيه حال من الضمير { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال والجملة حال مقدرة أو متعلق بالظرف { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } بالبعث { وما كانوا مهتدين }
{ وإما } فيه ادغام نون إن الشرطية في ما المزيدة { نرينك بعض الذي نعدهم } به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك { أو نتوفينك } قبل تعذيبهم { فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد } مطلع { على ما يفعلون } من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب
{ ولكل أمة } من الأمم { رسول فإذا جاء رسولهم } إليهم فكذبوه { قضي بينهم بالقسط } بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه { وهم لا يظلمون } بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء
{ ويقولون متى هذا الوعد } بالعذاب { إن كنتم صادقين } فيه
{ قل لا أملك لنفسي ضرا } أدفعه { ولا نفعا } أجلبه { إلا ما شاء الله } أن يقدرني عليه فكيف أملك لكم حلول العذاب { لكل أمة أجل } مدة معلومة لهلاكهم { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون } يتأخرون عنه { ساعة ولا يستقدمون } يتقدمون عليه
{ قل أرأيتم } أخبروني { إن أتاكم عذابه } أي الله { بياتا } ليلا { أو نهارا ماذا } أي شيء { يستعجل منه } أي العذاب { المجرمون } المشركون فيه وضع الظاهر موضع المضمر وجملة الاستفهام جواب الشرط كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه
{ أثم إذا ما وقع } حل بكم { آمنتم به } أي الله أو العذاب عند نزوله والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم { الآن } تؤمنون { وقد كنتم به تستعجلون } استهزاء
{ ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد } أي الذي تخلدون فيه { هل } ما { تجزون إلا } جزاء { بما كنتم تكسبون }
{ ويستنبئونك } يستخبرونك { أحق هو } أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث { قل أي } نعم { وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين } بفائتين العذاب
{ ولو أن لكل نفس ظلمت } كفرت { ما في الأرض } جميعا من الأموال { لافتدت به } من العذاب يوم القيامة { وأسروا الندامة } على ترك الإيمان { لما رأوا العذاب } أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير { وقضي بينهم } بين الخلائق { بالقسط } بالعدل { وهم لا يظلمون } شيئا
{ ألا أن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله } بالبعث والجزاء { حق } ثابت { ولكن أكثرهم } أي الناس { لا يعلمون } ذلك
{ هو يحيي ويميت وإليه ترجعون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
{ يأيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءتكم موعظة من ربكم } كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن { وشفاء } دواء { لما في الصدور } من العقائد الفاسدة والشكوك { وهدى } من الضلال { ورحمة للمؤمنين } به
{ قل بفضل الله } الإسلام { وبرحمته } القرآن { فبذلك } الفضل والرحمة { فليفرحوا هو خير مما يجمعون } من الدنيا بالياء والتاء
{ قل أرأيتم } أخبروني { ما أنزل الله } خلق { لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا } كالبحيرة والسائبة والميتة { قل آلله أذن لكم } في ذلك بالتحليل والتحريم { أم على الله تفترون } تكذبون بنسبة ذلك إليه
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } أي أي شيء ظنهم به { يوم القيامة } أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا { إن الله لذو فضل على الناس } بإمهالهم والإنعام عليهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون }
{ وما تكون } يا محمد { في شأن } أمر { وما تتلو منه } أي من الشأن أو الله { من قرآن } أنزله عليك { ولا تعملون } خاطبه وأمته { من عمل إلا كنا عليكم شهودا } رقباء { إذ تفيضون } تأخذون { فيه } أي العمل { وما يعزب } يغيب { عن ربك من مثقال } وزن { ذرة } أصغر نملة { في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } بين هو اللوح المحفوظ
{ ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الآخرة 63 هم { الذين آمنوا وكانوا يتقون } الله بامتثال أمره ونهيه
{ لهم البشرى في الحياة الدنيا } فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له { وفي الآخرة } الجنة والثواب { لا تبديل لكلمات الله } لا خلف لمواعيده { ذلك } المذكور { هو الفوز العظيم }
{ ولا يحزنك قولهم } لك لست مرسلا وغيره { إن } استئناف { العزة } القوة { لله جميعا هو السميع } للقول { العليم } بالفعل فيجازيهم وينصرك
{ ألا أن الله من في السماوات ومن في الأرض } عبيدا وملكا وخلقا { وما يتبع الذين يدعون } يعبدون { من دون الله } أي غيره أصناما { شركاء } له على الحقيقة تعالى عن ذلك { إن } ما { يتبعون } في ذلك { إلا الظن } أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم { وإن } ما { هم إلا يخرصون } يكذبون في ذلك
{ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه { إن في ذلك لآيات } دلالات على وحدانيته تعالى { لقوم يسمعون } سماع تدبر واتعاظ
{ قالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الله ولدا } قال تعالى لهم { سبحانه } تنزيها له عن الولد { هو الغني } عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه { له ما في السماوات وما في الأرض } ملكا وخلقا وعبيدا { إن } ما { عندكم من سلطان } حجة { بهذا } الذي تقولونه { أتقولون على الله ما لا تعلمون } استفهام توبيخ
{ قل إن الذين يفترون على الله الكذب } بنسبة الولد إليه { لا يفلحون } لا يسعدون
لهم { متاع } قليل { في الدنيا } يتمتعون به مدة حياتهم { ثم إلينا مرجعهم } بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد } بعد الموت { بما كانوا يكفرون }
{ واتل } يا محمد { عليهم } أي كفار مكة { نبأ } خبر { نوح } ويبدل منه { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر } شق { عليكم مقامي } لبثي فيكم { وتذكيري } وعظي إياكم { بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم } اعزموا على أمر تفعلونه بي { وشركاءكم } الواو بمعنى مع { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } مستورا بل أظهروه وجاهروني به { غمة ثم أقضوا إلي } امضوا فيما أردتموه { ولا تنظرون } تمهلون فإني لست مباليا بكم
{ فإن توليتم } عن تذكيري { فما سألتكم من أجر } ثواب عليه فتولوا { إن } ما { أجري } ثوابي { إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }
{ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك } السفينة { وجعلناهم } أي من معه { خلائف } في الأرض { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } بالطوفان { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب
{ ثم بعثنا من بعده } أي نوح { رسلا إلى قومهم } كإبراهيم وهود وصالح { فجاءوهم بالبينات } المعجزات { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } أي قبل بعث الرسل إليهم { كذلك نطبع } نختم { على قلوب المعتدين } فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه } قومه { بآياتنا } التسع { فاستكبروا } عن الإيمان بها { وكانوا قوما مجرمين }
{ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين } بين ظاهر
{ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم } إنه لسحر { أسحر هذا } وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة { ولا يفلح الساحرون } والاستفهام في الموضعين للإنكار
{ قالوا أجئتنا لتلفتنا } لتردنا { عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء } الملك { في الأرض } أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } مصدقين
{ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } فائق في علم السحر
{ فلما جاء السحرة قال لهم موسى } بعد ما قالوا له { إما ان تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } { ألقوا ما أنتم ملقون }
{ فلما ألقوا } حبالهم وعصيهم { قال موسى ما } استفهامية مبتدأ خبره { جئتم به السحر } بدل وفي قراءة بهمزة واحدة إخبار فما اسم موصول مبتدأ { إن الله سيبطله } أي سيمحقه { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }
{ ويحق } يثبت ويظهر { الله الحق بكلماته } بمواعيده { ولو كره المجرمون }
{ فما آمن لموسى إلا ذرية } طائفة { من } أولاد { قومه } أي فرعون { على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } يصرفهم عن دينه بتعذيبه { وإن فرعو لعال } متكبر { في الأرض } أرض مصر { وإنه لمن المسرفين } المتجاوزون الحد بإدعاء الربوبية
{ وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }
{ فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا
{ ونجنا برحمتك من القوم الكافرين }
{ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ } اتخذا { لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة } مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف وكان فرعون منعهم من الصلاة { وأقيموا الصلاة } أتموها { وبشر المؤمنين } بالنصر والجنة
{ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا } آتيتهم ذلك { ليضلوا } في { عن سبيلك } دينك { ربنا اطمس على أموالهم } امسخها { واشدد على قلوبهم } اطبع عليها واستوثق { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } المؤلم دعا عليه وأمن هارون على دعائه
{ قال } تعالى { قد أجيبت دعوتكما } فمسخت أموالهم حجارة ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق { فاستقيما } على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } في استعجال قضائي روى أنه مكث بعدها أربعين سنة
{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم } لحقهم { فرعون وجنوده بغيا وعدوا } مفعول له { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه } أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا { لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } كرره ليقبل منه فلم يقبل ودس جبريل في فيه من حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له
{ آلآن } تؤمن { وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } بضلالك وإضلالك عن الإيمان
{ فاليوم ننجيك } نخرجك من البحر { ببدنك } جسدك الذي لا روح فيه { لتكون لمن خلفك } بعدك { آية } عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وعن بن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه { وإن كثيرا من الناس } أي أهل مكة { عن آياتنا لغافلون } لا يعتبرون بها
{ ولقد بوأنا } أنزلنا { بني إسرائيل مبوأ صدق } منزلة كرامة وهو الشام ومصر { ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا } بأن آمن بعض وكفر بعض { حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين
فإن كنت } يا محمد { في شك مما أنزلنا إليك } من القصص فرضا { فاسأل الذين يقرءون الكتاب } التوراة { من قبلك } فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه قال صلى الله عليه وسلم لا أشك ولا أسأل { لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } الشاكين فيه
{ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين }
{ إن الذين حقت } وجبت { عليهم كلمة ربك } بالعذاب { لا يؤمنون }
{ ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } فلا ينفعهم حينئذ
{ فلولا } فهلا { كانت قرية } أريد أهلها { آمنت } قبل نزول العذاب بها { فنفعها إيمانها إلا } لكن { قوم يونس لما آمنوا } عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله { كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } انقضاء آجالهم
{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس } بما لم يشأه الله منهم { حتى يكونوا مؤمنين } لا
{ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } بإرادته { ويجعل الرجس } العذاب { على الذين لا يعقلون } يتدبرون آيات الله
{ قل } لكفار مكة { انظروا ماذا } أي الذي { في السماوات والأرض } من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى { وما تغني الآيات والنذر } جمع نذير أي الرسل { عن قوم لا يؤمنون } في علم الله أي ما تنفعهم
{ فهل } فما { ينتظرون } بتكذيبك { إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب { قل فانتظروا } ذلك { إني معكم من المنتظرين }
{ ثم ننجي } المضارع لحكاية الحال الماضي { رسلنا والذين آمنوا } من العذاب { كذلك } الإنجاء { حقا علينا ننجي المؤمنين } النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم في شك من ديني } أنه حق { فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله } أي غيره وهو الأصنام لشككم فيه { ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم } يقبض أرواحكم { وأمرت أن } أي بأن { أكون من المؤمنين }
{ و } قيل لي { أن أقم وجهك للدين حنيفا } مائلا إليه { ولا تكونن من المشركين }
{ ولا تدع } تعبد { من دون الله ما لا ينفعك } إن عبدته { ولا يضرك } إن لم تعبده { فإن فعلت } ذلك فرضا { فإنك إذا من الظالمين }
{ وإن يمسسك } يصبك { الله بضر } كفقر ومرض { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد } دافع { لفضله } الذي أرادك به { يصيب به } أي بالخير { من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم }
{ قل يأيها الناس } أي أهل مكة { قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } لأن ثواب اهتدائه له { ومن ضل فإنما يضل عليها } لأن وبال ضلاله عليها { وما أنا عليكم بوكيل } فأجبركم على الهدى
{ واتبع ما يوحى إليك } من ربك { واصبر } على الدعوة وأذاهم { حتى يحكم الله } فيهم بأمره { وهو خير الحاكمين } أعدلهم وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية
تعليق