قال الله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[الزمر:54- 61].
أيها المسلمون، إننا نعيش في زمان يأبى كثير من المسلمين فيه إلا التعرض للمزيد من سخط الله وغضبه واستحقاق عقوبته؛ وذلك بعدم الالتفاف حول تعاليم القرآن الكريم ومنهج السنة النبوية، فقد غدا القرآن الكريم والسنة النبوية يعيشان في المجتمعات الإسلامية في غربة تامة، لا ندري شيئا عما بين تعاليمهما إلا من رحم الله منا، وخصوصا فيما يتعلق فيهما بما يدل على قدرة الله تعالى على كل شيء، وعلى ما يجب له من التعظيم والتوقير، فالله تعالى له صفة الكبرياء والعظمة، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23]، فأصبحنا نرى الكثير قد أعرضوا عن هذا القرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، وهجروه بعدم تطبيق تعاليمه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والاستعاضة عن ذلك بقوانين وضعيه لا تحقق السعادة للإنسان، ولا تضمن الهداية له، وباختصار لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم يكن حظ السنة النبوية بأقل من ذلك، وقد جاء في القرآن الكريم على لسان الرسول : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30].
والأمر الذي يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان ما نراه من تهالك عند البعض على الأمور الدنيوية، وفي مقدمتها الجاه والمنصب، متناسين ما تعيشه بلادنا وبلاد المسلمين من ظلم واضطهاد واحتلال، وكأن الأمور في طريقها إلى الحل إذا تسلمنا هذا المنصب أو ذاك.
إن العجب لا ينقضي من مثل هذه الأمور، أإلى مثل هذا الحد يصل المسلمون، وبخاصة العلماء والأكاديميين في عدم الاهتمام بأحوال هذه الأمة وبالنكبات المحيطة بها من كل اتجاه والتركيز على أعراض الحياة الدنيا؟! وإلى هذا الحد يصل الإعراض عن الحقائق الربانية والتوجهات النبوية، متناسين عذاب الله ومكره؟! وما أحداث الزلازل والهزات الأرضية المتتابعة عنا بعيدة.
أيها المسلمون، وفي ظل التيه والضلال يأتي الأمر الرباني إلى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بعدم القنوط من رحمته وبالإنابة والإسلام والعودة إلى ظلال الطاعة والاستسلام. هذا هو كلّ شيء بعودته إليه تعالى بلا مراسم ولا طقوس ولا وسطاء ولا شفعاء، إنه حساب مباشر بين العبد وربه، وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق.
من أراد الأوبة والرجوع من الشاردين والضالين فليؤب وليرجع، ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم فالباب مفتوح، وهيا هيا قبل فوات الأوان.
هيا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، فما هنالك من نصير، هيا فالوقت غير مضمون، وقد يفصل الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار. هيا وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وهو هذا القرآن الذي بين أيديكم، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. هيا قبل أن تتحسروا على فوات الفرصة وعلى التفريط في حق الله وعلى السخرية بوعد الله، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ، أو تقول: إن الله كتب علي الضلال ولو كتب علي الهدى لاهتديت واتقيت، وهذا تعليل لا أصل له وعذر غير مقبول، فالفرصة ها هي ذي مهيأة وسانحة، ووسائل الهدي ما تزال حاضرة، وباب التوبة ها هو ذا مفتوح، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، وهي أمنية لا تنال، فإذا انتهت هذه الحياة فلا كرّة ولا رجوع، وها أنتم أولاء في دار العمل، وهي فرصة واحدة إذا ضاعت لا تعود، وستسألون عنها مع التوبيخ، بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ.
أيها المسلمون، ثم يمضي سياق هذه الآيات وقد وصل بالقلوب والمشاعر إلى ساحة الآخرة، يمضي في عرض مشهد المكذبين والمتقين في ذلك الموقف العظيم، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وهذا هو المصير الأخير، فريق مسود الوجوه من الخزي ومن الحزن ومن لفح الجحيم، إنه فريق المتكبرين في هذه الأرض الذين دُعُوا إلى الله ـ حتى بعد الإسراف في المعصية ـ فلم يلبّوا هاتف النّجاة، ولم يركبوا سفينَتها، واستجابوا لنداءِ الشيطان وأعوانه، فهم اليومَ في خزيٍ تسودّ له الوجوه.
أيّها المؤمنون، وأمّا الفريق الثاني فهو فريق الناجين الفائزين المتقين الذين عاشوا في حذر وخوف من الآخرة، وعاشوا في طمع في رحمة الله، فهم اليوم يجدون النجاة والفوز والأمن والسلامة، لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
أيها المؤمنون، وقد حذر الرسول من معصية الله ومن عمل السيئات بقوله لابن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء). كما روى الترمذي أن النبي قال له أيضًا: ((وعدَّ نفسك من أهل القبور)).
أيها المؤمنون، فهل الحال الذي نحن فيه حال أناس غرباء في الدنيا يشعرون بالغربة؟! وهل هو حال عابر سبيل أو حال إنسان يدخر من صحته لمرضه، ومن حياته لموته؟! وهل هو حال إنسان يظن أنه لا يصبح إذا أمسى، ولن يمسي إذا أصبح؟! وهل هو حال إنسان عد نفسه من أهل القبور؟!
أيها المؤمنون، وقال الحسن البصري رحمه الله: "لقد أدركنا أقواما أشفق على حسناتهم من أن ترد عليهم منكم على سيئاتكم أن تعذّبوا عليها". يا لله! أقوام كانوا يخافون من ردّ الحسنات ومن عدم قبول الطاعات، كانوا يخافون من ذلك أكثر من خوف العصاة والمذنبين من أن يعذّبوا على سيئاتهم ومعاصيهم. أرأيتم إلى أي حد أصبح الفارق بيننا وبين السلف الصالح؟! كانوا يخافون من رد حسناتهم أكثر من أن نخاف من العذاب على سيئاتنا.
إن المسلم السوي يخاف من المؤاخذة والمحاسبة على سيئاته، لكن الأوائل كانوا يخافون من عدم قبول حسناتهم وطاعاتهم. فتعلموا ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم يحقق لكم الله تعالى السعادة فيهما، ويباعد بينكم وبين الخسران فيهما.
: فإن الحرص على شرف الدنيا أشد هلاكا من الحرص على المال، وإن طلبَ شرف الدنيا والرفعة والرياسة على الناس والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال، كما أن ضرره أعظم والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
أيها المؤمنون، وقل من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولاية فيوفق فيها، بل يوكل إلى نفسه، جاء ذلك في قول النبي لعبد الرحمن بن سمرة: ((يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها من مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها))، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة)).
أيها المؤمنون، ومن دقيق الشرف طلب المنصب لمجرد علوّ المنزلة على الخلق والتعاظم عليهم وإظهار حاجة الناس إليه وافتقارهم إليه، فإن ذلك يعدّ مزاحمة لربوبية الله تعالى. والحقيقة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أن العاقل هو الذي ينافس في العلو الدائم الباقي المصحوب برضوان من الله تعالى وجواره، ويرغب عن العلو الفاني الزائل المصحوب بغضب الله وسخطه، وعلى كل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف في الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه.
أيها المسلمون، إننا نعيش في زمان يأبى كثير من المسلمين فيه إلا التعرض للمزيد من سخط الله وغضبه واستحقاق عقوبته؛ وذلك بعدم الالتفاف حول تعاليم القرآن الكريم ومنهج السنة النبوية، فقد غدا القرآن الكريم والسنة النبوية يعيشان في المجتمعات الإسلامية في غربة تامة، لا ندري شيئا عما بين تعاليمهما إلا من رحم الله منا، وخصوصا فيما يتعلق فيهما بما يدل على قدرة الله تعالى على كل شيء، وعلى ما يجب له من التعظيم والتوقير، فالله تعالى له صفة الكبرياء والعظمة، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23]، فأصبحنا نرى الكثير قد أعرضوا عن هذا القرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، وهجروه بعدم تطبيق تعاليمه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والاستعاضة عن ذلك بقوانين وضعيه لا تحقق السعادة للإنسان، ولا تضمن الهداية له، وباختصار لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم يكن حظ السنة النبوية بأقل من ذلك، وقد جاء في القرآن الكريم على لسان الرسول : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30].
والأمر الذي يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان ما نراه من تهالك عند البعض على الأمور الدنيوية، وفي مقدمتها الجاه والمنصب، متناسين ما تعيشه بلادنا وبلاد المسلمين من ظلم واضطهاد واحتلال، وكأن الأمور في طريقها إلى الحل إذا تسلمنا هذا المنصب أو ذاك.
إن العجب لا ينقضي من مثل هذه الأمور، أإلى مثل هذا الحد يصل المسلمون، وبخاصة العلماء والأكاديميين في عدم الاهتمام بأحوال هذه الأمة وبالنكبات المحيطة بها من كل اتجاه والتركيز على أعراض الحياة الدنيا؟! وإلى هذا الحد يصل الإعراض عن الحقائق الربانية والتوجهات النبوية، متناسين عذاب الله ومكره؟! وما أحداث الزلازل والهزات الأرضية المتتابعة عنا بعيدة.
أيها المسلمون، وفي ظل التيه والضلال يأتي الأمر الرباني إلى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بعدم القنوط من رحمته وبالإنابة والإسلام والعودة إلى ظلال الطاعة والاستسلام. هذا هو كلّ شيء بعودته إليه تعالى بلا مراسم ولا طقوس ولا وسطاء ولا شفعاء، إنه حساب مباشر بين العبد وربه، وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق.
من أراد الأوبة والرجوع من الشاردين والضالين فليؤب وليرجع، ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم فالباب مفتوح، وهيا هيا قبل فوات الأوان.
هيا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، فما هنالك من نصير، هيا فالوقت غير مضمون، وقد يفصل الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار. هيا وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وهو هذا القرآن الذي بين أيديكم، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. هيا قبل أن تتحسروا على فوات الفرصة وعلى التفريط في حق الله وعلى السخرية بوعد الله، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ، أو تقول: إن الله كتب علي الضلال ولو كتب علي الهدى لاهتديت واتقيت، وهذا تعليل لا أصل له وعذر غير مقبول، فالفرصة ها هي ذي مهيأة وسانحة، ووسائل الهدي ما تزال حاضرة، وباب التوبة ها هو ذا مفتوح، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، وهي أمنية لا تنال، فإذا انتهت هذه الحياة فلا كرّة ولا رجوع، وها أنتم أولاء في دار العمل، وهي فرصة واحدة إذا ضاعت لا تعود، وستسألون عنها مع التوبيخ، بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ.
أيها المسلمون، ثم يمضي سياق هذه الآيات وقد وصل بالقلوب والمشاعر إلى ساحة الآخرة، يمضي في عرض مشهد المكذبين والمتقين في ذلك الموقف العظيم، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وهذا هو المصير الأخير، فريق مسود الوجوه من الخزي ومن الحزن ومن لفح الجحيم، إنه فريق المتكبرين في هذه الأرض الذين دُعُوا إلى الله ـ حتى بعد الإسراف في المعصية ـ فلم يلبّوا هاتف النّجاة، ولم يركبوا سفينَتها، واستجابوا لنداءِ الشيطان وأعوانه، فهم اليومَ في خزيٍ تسودّ له الوجوه.
أيّها المؤمنون، وأمّا الفريق الثاني فهو فريق الناجين الفائزين المتقين الذين عاشوا في حذر وخوف من الآخرة، وعاشوا في طمع في رحمة الله، فهم اليوم يجدون النجاة والفوز والأمن والسلامة، لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
أيها المؤمنون، وقد حذر الرسول من معصية الله ومن عمل السيئات بقوله لابن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء). كما روى الترمذي أن النبي قال له أيضًا: ((وعدَّ نفسك من أهل القبور)).
أيها المؤمنون، فهل الحال الذي نحن فيه حال أناس غرباء في الدنيا يشعرون بالغربة؟! وهل هو حال عابر سبيل أو حال إنسان يدخر من صحته لمرضه، ومن حياته لموته؟! وهل هو حال إنسان يظن أنه لا يصبح إذا أمسى، ولن يمسي إذا أصبح؟! وهل هو حال إنسان عد نفسه من أهل القبور؟!
أيها المؤمنون، وقال الحسن البصري رحمه الله: "لقد أدركنا أقواما أشفق على حسناتهم من أن ترد عليهم منكم على سيئاتكم أن تعذّبوا عليها". يا لله! أقوام كانوا يخافون من ردّ الحسنات ومن عدم قبول الطاعات، كانوا يخافون من ذلك أكثر من خوف العصاة والمذنبين من أن يعذّبوا على سيئاتهم ومعاصيهم. أرأيتم إلى أي حد أصبح الفارق بيننا وبين السلف الصالح؟! كانوا يخافون من رد حسناتهم أكثر من أن نخاف من العذاب على سيئاتنا.
إن المسلم السوي يخاف من المؤاخذة والمحاسبة على سيئاته، لكن الأوائل كانوا يخافون من عدم قبول حسناتهم وطاعاتهم. فتعلموا ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم يحقق لكم الله تعالى السعادة فيهما، ويباعد بينكم وبين الخسران فيهما.
: فإن الحرص على شرف الدنيا أشد هلاكا من الحرص على المال، وإن طلبَ شرف الدنيا والرفعة والرياسة على الناس والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال، كما أن ضرره أعظم والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
أيها المؤمنون، وقل من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولاية فيوفق فيها، بل يوكل إلى نفسه، جاء ذلك في قول النبي لعبد الرحمن بن سمرة: ((يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها من مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها))، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة)).
أيها المؤمنون، ومن دقيق الشرف طلب المنصب لمجرد علوّ المنزلة على الخلق والتعاظم عليهم وإظهار حاجة الناس إليه وافتقارهم إليه، فإن ذلك يعدّ مزاحمة لربوبية الله تعالى. والحقيقة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أن العاقل هو الذي ينافس في العلو الدائم الباقي المصحوب برضوان من الله تعالى وجواره، ويرغب عن العلو الفاني الزائل المصحوب بغضب الله وسخطه، وعلى كل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف في الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه.
تعليق