بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، هناك ما يسمى بعلم النفس الإسلامي، فالإنسان له نفس سواها الله عز وجل بخصائص معينة، قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾
( سورة الشمس )
شاءت حكمة الله عز وجل أن يكون الإنسان ضعيفاً، وأن يكون هلوعاً، وأن يكون عجولاً، هذه نقاط الضعف الثلاث تجعل الإنسان يضطرب إذا نزلت نازلة، أي إنسان حينما يقلق على رزقه، أو على صحته، أو على أهله، أو على أولاده يضطرب أشد الاضطراب، وهذا الخوف والاضطراب لا ينجو منه أحد، حتى الأنبياء.
﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾
( سورة القصص الآية: 21 )
ويبدو أن هذا الخوف باعث كبير جداً إلى الله، فلا شيء يدفعنا إلى الله كأن نخاف، والخائف يحتاج إلى ملاذ، إلى ركن ركين، إلى قوي يستعين به، إلى عظيم يستظل بظله، إلى غني يغتني به، فطبيعة النفس البشرية أن فيها نقاط ضعف ثلاث، والآيات تشير إلى ذلك
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
( سورة المعارج )
من حكمة الله أيضاً أن الله ثبت مليارات الأشياء في حياتنا، الشمس تشرق كل يوم، ليس هناك قلق إطلاقاً على عدم إشراقها، بل بإمكانك أن تحدد بعد ألف عام في اليوم الفلاني متى تشرق، ثبات مذهل، هذه الساعة التي بأيدينا، والتي نضبطها على أدق ساعة في العالم، أدق ساعة في العالم تضبط على مرور نجم، فالله عز وجل ثبت حركة الأفلاك، ثبت خصائص المواد، تبني بناء شامخًا، تضع في البناء الحديد، لو أن الحديد يبدل خصائصه لانهار البناء، خصائص الحديد ثابتة، الذهب ثابت، تشتري ذهب بالملايين، لو أنة تبدل خصائصه، ويصدأ بالماء بعد حين لذهبت كل هذه الملايين سدى، إذاً ثبت لك خصائص المعادن، وخصائص المواد، وثبت البذور، تزرع الفستق فيكون المحصول فستقًا، لكن لو زرع الإنسان شيئًا، وكان المحصول شيئًا آخر لأصبح في اضطراب، لو تتبعت الأشياء الثابتة، القوانين المضطربة في حياتنا لوجدت العجب العجاب، كل شيء ثابت، هذا الثبات يدعو إلى الاستقرار، وثبات النظام، والطمأنينة، فالقوانين الثابتة تعينك على التنبؤ، لولا القانون الثابت لما كان هناك تنبؤ، كما ترون من استقرار الحياة بسبب ثبات القوانين، ثبات الخصائص، المعادن، وأشباه المعادن، والمواد، والأغذية، والنباتات، كل شيء له قانون ثابت.
الآن الاستثناء، الله عز وجل لحكمة بالغةٍ بالغة حرك الصحة والرزق، فالصحة متبدلة، والرزق متبدل، وحرك استقرار الأرض، يأتي زلزال فجائي، فينهار البناء الشامخ الذي كلف مليارات، والذي تم إنشاؤه في بضع سنوات ينهار في ثوانٍ، الذي حركه لحكمة بالغة، والذي ثبته لحمة بالغة، الذي حركه من أجل أن يربينا، جعلك ضعيفاً، وحرك الصحة والرزق والمكان، فالإنسان بصحته تحت ألطاف الله عز وجل.
من عجيب الصحة أن الإنسان يغادر الدنيا لأتفه سبب، يقول لك: احتشاء، يقول لك: ما به شيء، يقول لك: سكتة دماغية، وأحياناً يكون الإنسان طريح الفراش ثلاثين سنة ولا يموت، فالصحة متبدلة، والرزق متبدل، جفاف، جفاف سنوات طويلة، النبات يموت، الحيوان يموت، الإنسان يغادر، يسيح في الآفاق، فهذا التحريك من أجل تربية الإنسان.
الآن جاء موضوع الدرس، موضوع الدرس السكينة، فالإنسان حينما يضطرب حينما تأتي جائحة، حينما تأتي كارثة كبيرة جداً، المؤمن له معاملة خاصة،
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
هكذا خلقه الله، أقوى إنسان في الأرض لو أطلعته على تقرير طبي أن فيه ورماً خبيثاً تجده برك.
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
أي إنسان، كل إنسان يقلق أشد القلق على صحته، وعلى ماله، وعلى أهله، وعلى أولاده، فهذا القلق الشديد يقابله عند المؤمنين سكينة، والشيء الذي يلفت النظر أن الإنسان مهما كان قوياً، لو أن بيده مقاليد الأرض كلها، لو أن الخمس قارات بيده يقلق أشد القلق، بل هو أشد الخلق خوفاً إذا كان مشركاً، هناك قانون الخوف.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾
( سورة آل عمران الآية: 151 )
والمؤمن يقابل الرعب بالسكينة، تجد الأخطار محدقة به من كل جانب، السيوف مسلطة عليه، ومع ذلك فهو مطمأن لوعد الله.
فمن لوازم الإيمان السكينة:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
لكن لئلا يتوهم الإنسان أن أي مصلٍّ توضأ، وصلى صار في سكينة ؟ لا، أنا مضطر إلى قاعدة فلسفية:
إن الصفة قيد، اكتب كلمة إنسان، هذه تغطي ستة آلاف مليون، ضف كلمة واحدة، إنسان مسلم، مليار وثلاثمئة مليون، من ستة آلاف مليون إلى مليار وثلاثمئة مليون إنسان مسلم عربي، عشرون مليون إنسان مسلم عربي مثقف، مليونا إنسان مسلم عربي مثقف طبيب، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب، عشرة آلاف، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب جراح، خمسمئة، كل ما تضيف صفة تضيق الدائرة الآن اسمع الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ﴾
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) ﴾
( سورة المعارج )
ليس أي مصلٍّ يستحق السكينة، الذي توافرت فيه كل هذه الشروط، يستحق السكينة.
إخواننا الكرام، لا أعتقد في عصر أصاب المسلمين بمحن كهذا العصر، طبيعة هذا العصر فوق كل إنسان، مليون سيف مسلط، أحيانا تركب مركبتك، إنسان بالمقابل تأخذه سنة من النوم، فيدخل في المركبة الأولى، قد يقطع النخاع الشوكي، فيصاب بالشلل الدائم، حوادث سير، قضية في القلب، قضية في نمو الخلايا، قضية فشل كلوي، قضية تشمع الكبد، هناك أمراض وبيلة تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وهناك مصائب في الأهل والأولاد والبيت والتجارة، والمال، مستودعات احترقت كلها، فهذا القلق الشديد من جهة الأهل، من جهة الأولاد، من جهة المال، من جهة الصحة، ما الذي يغطيه عند المؤمن ؟ السكينة، ولنقرأ الآيات، السكينة وردت في خمس آيات في كتاب الله، قال تعالى:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة التوبة الآية: 26 )
السكينة ؛ الطمأنينة، السكينة ؛ السكون:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
المؤمن متميز بالسكينة، الله عز وجل يلقي في قلبه السكينة، فهو في هدوء، في سكون، في رؤية صحيحة، في اعتماد على الله، الآية الثانية:
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الإسلام كله منوط بالغار، فإذا اقتحموا الغار، وقتلوا النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه أخذوا مئتي ناقة، كل ناقة بمليون ليرة تقريباً، في هذا الوضع الحرج الإسلام كله مبني على أن يروا من بالغار، أو لا يروه، قال له: لو نظر أحدهم إلى موطأ قدمه لرآنا، وفي قول آخر لقد رأونا، قال له:
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ))
[ أخرجه البخاري عن أبي بكر ]
ألم تقرأ قول الله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) ﴾
( سورة الأعراف )
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الآية الثالثة:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الرابعة:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الخامسة:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الفتح الآية: 26 )
لكن هناك تعليق هذه السكينة، متى نزلت ؟ يوم الهجرة، ويوم حنين، ويوم الحديبية، وكان عليه الصلاة والسلام يوم الخندق، الخندق حرب إبادة، الخندق الإسلام كله بكل المؤمنين قضية ساعات، حتى إن أحد الذين كانوا مع رسول الله يقول: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ كان عليه الصلاة والسلام ينقل تراب الخندق حتى وصل التراب إلى جلدة بطنه، وهو يقول:
اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا وَ لا تَصَدََّقْنا وَلا صَلَّيْنا
فأنْزِلَننْ سَكِينَةً عَلَيْنــا وَثَبِّتِ الأقْدَام إنْ لاقَيْنـا
إنَّ الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنـا إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنــا
[ رواه سلم بن إبراهيم عن البراء ]
أيها الإخوة، نحن في أمسّ الحاجة إلى السكينة، نحن في أمسّ الحاجة إلى الدعم من الداخل، نحن في أمسّ الحاجة إلى وقار، إلى هدوء إلى عمل هادئ، وهذا يحتاج إلى اتصال بالله عز وجل، لا تنسوا هذه الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
المصلي الحقيقي ينزل على قلبه من السكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضى عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين
أيها الإخوة الكرام، هناك ما يسمى بعلم النفس الإسلامي، فالإنسان له نفس سواها الله عز وجل بخصائص معينة، قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾
( سورة الشمس )
شاءت حكمة الله عز وجل أن يكون الإنسان ضعيفاً، وأن يكون هلوعاً، وأن يكون عجولاً، هذه نقاط الضعف الثلاث تجعل الإنسان يضطرب إذا نزلت نازلة، أي إنسان حينما يقلق على رزقه، أو على صحته، أو على أهله، أو على أولاده يضطرب أشد الاضطراب، وهذا الخوف والاضطراب لا ينجو منه أحد، حتى الأنبياء.
﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾
( سورة القصص الآية: 21 )
ويبدو أن هذا الخوف باعث كبير جداً إلى الله، فلا شيء يدفعنا إلى الله كأن نخاف، والخائف يحتاج إلى ملاذ، إلى ركن ركين، إلى قوي يستعين به، إلى عظيم يستظل بظله، إلى غني يغتني به، فطبيعة النفس البشرية أن فيها نقاط ضعف ثلاث، والآيات تشير إلى ذلك
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
( سورة المعارج )
من حكمة الله أيضاً أن الله ثبت مليارات الأشياء في حياتنا، الشمس تشرق كل يوم، ليس هناك قلق إطلاقاً على عدم إشراقها، بل بإمكانك أن تحدد بعد ألف عام في اليوم الفلاني متى تشرق، ثبات مذهل، هذه الساعة التي بأيدينا، والتي نضبطها على أدق ساعة في العالم، أدق ساعة في العالم تضبط على مرور نجم، فالله عز وجل ثبت حركة الأفلاك، ثبت خصائص المواد، تبني بناء شامخًا، تضع في البناء الحديد، لو أن الحديد يبدل خصائصه لانهار البناء، خصائص الحديد ثابتة، الذهب ثابت، تشتري ذهب بالملايين، لو أنة تبدل خصائصه، ويصدأ بالماء بعد حين لذهبت كل هذه الملايين سدى، إذاً ثبت لك خصائص المعادن، وخصائص المواد، وثبت البذور، تزرع الفستق فيكون المحصول فستقًا، لكن لو زرع الإنسان شيئًا، وكان المحصول شيئًا آخر لأصبح في اضطراب، لو تتبعت الأشياء الثابتة، القوانين المضطربة في حياتنا لوجدت العجب العجاب، كل شيء ثابت، هذا الثبات يدعو إلى الاستقرار، وثبات النظام، والطمأنينة، فالقوانين الثابتة تعينك على التنبؤ، لولا القانون الثابت لما كان هناك تنبؤ، كما ترون من استقرار الحياة بسبب ثبات القوانين، ثبات الخصائص، المعادن، وأشباه المعادن، والمواد، والأغذية، والنباتات، كل شيء له قانون ثابت.
الآن الاستثناء، الله عز وجل لحكمة بالغةٍ بالغة حرك الصحة والرزق، فالصحة متبدلة، والرزق متبدل، وحرك استقرار الأرض، يأتي زلزال فجائي، فينهار البناء الشامخ الذي كلف مليارات، والذي تم إنشاؤه في بضع سنوات ينهار في ثوانٍ، الذي حركه لحكمة بالغة، والذي ثبته لحمة بالغة، الذي حركه من أجل أن يربينا، جعلك ضعيفاً، وحرك الصحة والرزق والمكان، فالإنسان بصحته تحت ألطاف الله عز وجل.
من عجيب الصحة أن الإنسان يغادر الدنيا لأتفه سبب، يقول لك: احتشاء، يقول لك: ما به شيء، يقول لك: سكتة دماغية، وأحياناً يكون الإنسان طريح الفراش ثلاثين سنة ولا يموت، فالصحة متبدلة، والرزق متبدل، جفاف، جفاف سنوات طويلة، النبات يموت، الحيوان يموت، الإنسان يغادر، يسيح في الآفاق، فهذا التحريك من أجل تربية الإنسان.
الآن جاء موضوع الدرس، موضوع الدرس السكينة، فالإنسان حينما يضطرب حينما تأتي جائحة، حينما تأتي كارثة كبيرة جداً، المؤمن له معاملة خاصة،
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
هكذا خلقه الله، أقوى إنسان في الأرض لو أطلعته على تقرير طبي أن فيه ورماً خبيثاً تجده برك.
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
أي إنسان، كل إنسان يقلق أشد القلق على صحته، وعلى ماله، وعلى أهله، وعلى أولاده، فهذا القلق الشديد يقابله عند المؤمنين سكينة، والشيء الذي يلفت النظر أن الإنسان مهما كان قوياً، لو أن بيده مقاليد الأرض كلها، لو أن الخمس قارات بيده يقلق أشد القلق، بل هو أشد الخلق خوفاً إذا كان مشركاً، هناك قانون الخوف.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾
( سورة آل عمران الآية: 151 )
والمؤمن يقابل الرعب بالسكينة، تجد الأخطار محدقة به من كل جانب، السيوف مسلطة عليه، ومع ذلك فهو مطمأن لوعد الله.
فمن لوازم الإيمان السكينة:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
لكن لئلا يتوهم الإنسان أن أي مصلٍّ توضأ، وصلى صار في سكينة ؟ لا، أنا مضطر إلى قاعدة فلسفية:
إن الصفة قيد، اكتب كلمة إنسان، هذه تغطي ستة آلاف مليون، ضف كلمة واحدة، إنسان مسلم، مليار وثلاثمئة مليون، من ستة آلاف مليون إلى مليار وثلاثمئة مليون إنسان مسلم عربي، عشرون مليون إنسان مسلم عربي مثقف، مليونا إنسان مسلم عربي مثقف طبيب، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب، عشرة آلاف، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب جراح، خمسمئة، كل ما تضيف صفة تضيق الدائرة الآن اسمع الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ﴾
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) ﴾
( سورة المعارج )
ليس أي مصلٍّ يستحق السكينة، الذي توافرت فيه كل هذه الشروط، يستحق السكينة.
إخواننا الكرام، لا أعتقد في عصر أصاب المسلمين بمحن كهذا العصر، طبيعة هذا العصر فوق كل إنسان، مليون سيف مسلط، أحيانا تركب مركبتك، إنسان بالمقابل تأخذه سنة من النوم، فيدخل في المركبة الأولى، قد يقطع النخاع الشوكي، فيصاب بالشلل الدائم، حوادث سير، قضية في القلب، قضية في نمو الخلايا، قضية فشل كلوي، قضية تشمع الكبد، هناك أمراض وبيلة تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وهناك مصائب في الأهل والأولاد والبيت والتجارة، والمال، مستودعات احترقت كلها، فهذا القلق الشديد من جهة الأهل، من جهة الأولاد، من جهة المال، من جهة الصحة، ما الذي يغطيه عند المؤمن ؟ السكينة، ولنقرأ الآيات، السكينة وردت في خمس آيات في كتاب الله، قال تعالى:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة التوبة الآية: 26 )
السكينة ؛ الطمأنينة، السكينة ؛ السكون:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
المؤمن متميز بالسكينة، الله عز وجل يلقي في قلبه السكينة، فهو في هدوء، في سكون، في رؤية صحيحة، في اعتماد على الله، الآية الثانية:
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الإسلام كله منوط بالغار، فإذا اقتحموا الغار، وقتلوا النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه أخذوا مئتي ناقة، كل ناقة بمليون ليرة تقريباً، في هذا الوضع الحرج الإسلام كله مبني على أن يروا من بالغار، أو لا يروه، قال له: لو نظر أحدهم إلى موطأ قدمه لرآنا، وفي قول آخر لقد رأونا، قال له:
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ))
[ أخرجه البخاري عن أبي بكر ]
ألم تقرأ قول الله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) ﴾
( سورة الأعراف )
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الآية الثالثة:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الرابعة:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الخامسة:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الفتح الآية: 26 )
لكن هناك تعليق هذه السكينة، متى نزلت ؟ يوم الهجرة، ويوم حنين، ويوم الحديبية، وكان عليه الصلاة والسلام يوم الخندق، الخندق حرب إبادة، الخندق الإسلام كله بكل المؤمنين قضية ساعات، حتى إن أحد الذين كانوا مع رسول الله يقول: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ كان عليه الصلاة والسلام ينقل تراب الخندق حتى وصل التراب إلى جلدة بطنه، وهو يقول:
اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا وَ لا تَصَدََّقْنا وَلا صَلَّيْنا
فأنْزِلَننْ سَكِينَةً عَلَيْنــا وَثَبِّتِ الأقْدَام إنْ لاقَيْنـا
إنَّ الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنـا إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنــا
[ رواه سلم بن إبراهيم عن البراء ]
أيها الإخوة، نحن في أمسّ الحاجة إلى السكينة، نحن في أمسّ الحاجة إلى الدعم من الداخل، نحن في أمسّ الحاجة إلى وقار، إلى هدوء إلى عمل هادئ، وهذا يحتاج إلى اتصال بالله عز وجل، لا تنسوا هذه الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
المصلي الحقيقي ينزل على قلبه من السكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضى عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
تعليق