بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، في أول سورة البقرة يقول الله عز وجل:
﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
[ سورة البقرة ]
نقف عند كلمة واحدة في هذه الآية، وهي كلمة ( الغيب )
أيها الإخوة الكرام، نحن نعيش واقعاً محسوساً، هذا الواقع فيه بيوت، فيه مركبات، فيه نساء، فيه طعام، فيه دخول كبيرة، فيه دخول قليلة، الإنسان يعيش واقعًا، أما الآخرة فخبر، تقرأ القرآن، يقول الله لك:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾
[ سورة الضحى ]
لكن الآخرة غير محسوسة.
مثال ذلك، الإنسان يعيش في بيت مع زوجته، وهما في تفاهم، يسعد بها، وتسعد به، وله صديق بين زوجته وبينه خصام، وهي عند أهلها، والبيت في فوضى، والأولاد ليس هناك من يطعمهم، وليس ثمة من يعتني، بهم وحياته متعبة جداً، الأول يعيش واقع السعادة الزوجية، أما مشكلة صديقه فهي فكرة عنده، لكن الثاني يعيش الشقاء الزوجي، أما سعادة صديقه فهي فكرة.
الآن أيها الإخوة الكرام، نحن جميعاً نعيش الدنيا، نعيش الواقع، فيهمُّنا الدخل، والرزق، والصحة، والأولاد، والزوجة، لكن قضية الآخرة ليست واقعاً محسوساً، يل هي فكرة مِن الذي أخبرك أن هناك آخرة، لو أن الذي أخبرك هذا الخبر إنسان عادي لا نأبه له إطلاقاً، أما إذا كان الذي أخبرك خالق الأكوان، خالق الإنسان، قال: ينبغي أن تأخذ إخبار الله كأنك تراه، والدليل قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
[ سورة الفيل ]
من منكم رأى أصحاب الفيل ؟ ولا أنا رأيت، لكن قال علماء التفسير: ينبغي أن تأخذ خبر الله، وكأنك تراه، هذا إخبار من خالق الكون، قال تعالى:
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
[ سورة النحل: الآية 1]
إذاً لم يأت، لكن الله سبحانه وتعالى مادام قد أخبرنا أنه سيأتي فكأنه أتى، من هو المؤمن ؟ هو الذي يؤمن بالغيب.
أنت راكب دراجة، الطريق مستوٍ، وجدت طريقين، طريقًا نازلا، وطريقًا صاعدًا، كل خلية بجسمك، وكل قطرة بدمك تدعوك إلى سلوك الطريق النازل، لأنك راكب دراجة معطيات الطريق سليمة، الطريق معبد، تحفه الأشجار والرياحين والورود، ونسمات لطيفة وعليلة، هذا الواقع، الواقع يدعوك أن تسلك الطريق النازل، لكن لوحة صغيرة كتب عليها: أن هذا الطريق النازلة تنتهي بحفرة ما لها من قرار، فيها وحوش كاسرة وجائعة، هذا النص يجب أن يعكس قرارك الطريق الصاعدة، مع أنها وعرة، وفيها غبار، وفي حر، لكنها تنتهي بقصر، هو لمن وصل إليه.
أنا أعطيكم مثلا حادًّا، الواقع المحسوس يدعوك أن تسلك الطريق الهابط، لكن النص الذي عند مفترق الطرق يدعوك أن تسلك الطريق الآخر، المتعبة، الصاعدة، التي فيها أكمات، فيها عقبات، فمن هو البطل ؟ ولا سيما إذا كان المخبر هو الله، البطل الذي يقرأ هذا القرآن، ويصدق ما فيه، ويعمل بمقتضاه، ولا يؤخذ بمظاهر الحياة الدنيا.
لا أبالغ، معظم الناس يعيشون الواقع فقط، يريد أن يأكل، وأن يشرب، وأن يستمتع بالحياة، ولا يعبأ كثيراً ما إذا كان دخله حراماً أو حلالاً، لا يعبأ كثيراً أن الله سيسأله عن كل درهم كسبه، من أين اكتسبته ؟ وفيم أنفقته ؟ يعيش الواقع، يأكل، يشرب، يستمتع، يتنزه، يملأ عينيه من محاسن النساء، يتابع الفضائيات حتى ساعة متأخرة من الليل، يقول: هذه الحياة، هو يعيش واقع ممتع، أما الآخرة التي سيحاسب فيها عن كل شيء فهي فكرة، وليست واقعاً، لذلك عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
[أحمد]
العبد الفقير، سافرت إلى بلد بعيد، البلد البعيد في نصف الكرة الجنوبي، فأنا هنا أشعر بالحر، الحرارة ثلاثة وأربعون، أنا أعيش واقع الحر، فتحت، سألت فوجدت أن الوقت هناك شتاء، والحرارة هناك سبع أو ثماني درجات، بقيت فكرة، هذه لم تكن واقعاً، لم آخذ من الثياب شيئاً إلا ما هو صيفي، أعيش واقع الحر، ولم أنتبه إلى الفكرة التي قرأتها في موقع معلوماتي عن تلك البلاد، فلما وصلت عشت واقع البرد، تمنيت لو معي ثياب شتوية، درس لا أنساه.
كلمة: ( يؤمنون بالغيب ) من هو البطل ؟ الذي يصدق الله بهذا القرآن.
أيها الإخوة الكرام، إن لم تعكس موازينك وخطتك لم تؤمن بالغيب، الواقع يدعوك أن تأخذ المال، والقرآن يدعوك أن تنفق المال، الواقع يدعوك أن تستمتع بالحياة، والقرآن يدعوك أن تنضبط وفق منهج الله، الواقع يدعوك أن تنام، والواقع يدعوك أن تستيقظ:
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً﴾
[ سورة المزمل ]
الآن نحن في أول ليلة من ليالي رمضان، البطولة أن تؤمن بالغيب، أما الإيمان بالواقع فسهل جداً تعيشه أنت، أيّ إنسان يقول: أنا واقعي، البطولة أن تؤمن بهذه اللوحة التي تؤكد لك أن هذا الطريق الذي يريحك، ويسليك، ويمتعك ينتهي بحفرة مالها من قرار، وأن هذا الطريق الصاعدة المتعبة الذي لا تحبه فيها غبار، وعقبات وأكمات، هذا الطريق الذي سوف يسعدك، من هو البطل ؟ الذي يؤمن بالغيب.
مشكلات الناس في معظمها يعيشون الواقع لا يهتمون بغذائهم، الأغذية الطيبة الرائعة تسبب أمراضاً كثيرة جداً، ترى إنساناً يؤمن بما يقوله الأطباء، يأكل الأكل الصحي، ولا تأخذه الشهوة إلى أكل يؤذيه، إذاً الإيمان بالغيب هو سبب سلامتنا وسعادتنا، نحن أمام القرآن الكريم، إن شاء الله البطولة في رمضان أن تصدق الواحد الديان، أن تصدق رب العالمين، أن تعمل بهذا الخبر.
وكنت أضرب مثلاً دائماً أعدته كثيراً، إنسان متجه إلى حمص في أيام الشتاء، ودمشق فيها شمس، والطرقات جافة كلها، إذا بلوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج، وضعت اللوحة في النبك، في ظاهر دمشق ماذا تفعل ؟ تعود ما الذي أعادك إلى بلدك ؟ النص، اللوحة لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج، ما الذي حكمها ؟ الواقع، القضية بكلمتين، إن كنت عاقلاً يحكمك النص، وإن عطلت عقلك يحكمك الواقع.
الناس يعيشون، يأكلون، يشربون، يتمتعون، ولا يلتفتون إلى ذلك اليوم الذي تحاسب فيه عن كل كلمة، وعن كل حركة، وعن كل سكنة، وعن كل صلة، وعن كل قطيعة، وعن كل قطيعة، وعن كل غضب، وعن كل رضا، لماذا فعلت ؟
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ ))
[ الترمذي، الدارمي ]
فأنا وقفت عند كلمة واحدة، كلمة الغيب، إن كنت مؤمناً برب السماوات والأرض تأخذ كلام الله لا على أنه غيب، لكن على أنه مشهود، يجب أن تتلقى إخبار الله وكأنك تراه، يجب أن ينقلب الغيب عندك إلى واقع، قال تعالى:
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
[ سورة النحل: الآية 1]
أتى فعل ماض، قال:
﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
المعنى أنه لم يأت، معنى ذلك أنه كونك مؤمنًا، وقد أخبرك الله عز وجل أن هذا اليوم سوف يأتي توقن أنه قد أتى، فهذا موضوع اليوم، كلمة:
﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
لكن لو فرضنا أن الآخرة محسوسة كالدنيا جميع الناس يتجهون إلى الآخرة، ولا يسعدون بها، لأنهم ما فعلوا شيئاً، أما أنت فتقاوم متع الأرض، متع الدنيا التي حرمها الله عز وجل ، وتلتزم بما سمح الله لك به اعتماداً على إخبار الله لك أن هناك يومًا تسعد فيه إلى أبد الآبدين، فبقدر إيمانك بذلك اليوم تكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾
[ سورة البقرة: الآية 3]
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، في أول سورة البقرة يقول الله عز وجل:
﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
[ سورة البقرة ]
نقف عند كلمة واحدة في هذه الآية، وهي كلمة ( الغيب )
أيها الإخوة الكرام، نحن نعيش واقعاً محسوساً، هذا الواقع فيه بيوت، فيه مركبات، فيه نساء، فيه طعام، فيه دخول كبيرة، فيه دخول قليلة، الإنسان يعيش واقعًا، أما الآخرة فخبر، تقرأ القرآن، يقول الله لك:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾
[ سورة الضحى ]
لكن الآخرة غير محسوسة.
مثال ذلك، الإنسان يعيش في بيت مع زوجته، وهما في تفاهم، يسعد بها، وتسعد به، وله صديق بين زوجته وبينه خصام، وهي عند أهلها، والبيت في فوضى، والأولاد ليس هناك من يطعمهم، وليس ثمة من يعتني، بهم وحياته متعبة جداً، الأول يعيش واقع السعادة الزوجية، أما مشكلة صديقه فهي فكرة عنده، لكن الثاني يعيش الشقاء الزوجي، أما سعادة صديقه فهي فكرة.
الآن أيها الإخوة الكرام، نحن جميعاً نعيش الدنيا، نعيش الواقع، فيهمُّنا الدخل، والرزق، والصحة، والأولاد، والزوجة، لكن قضية الآخرة ليست واقعاً محسوساً، يل هي فكرة مِن الذي أخبرك أن هناك آخرة، لو أن الذي أخبرك هذا الخبر إنسان عادي لا نأبه له إطلاقاً، أما إذا كان الذي أخبرك خالق الأكوان، خالق الإنسان، قال: ينبغي أن تأخذ إخبار الله كأنك تراه، والدليل قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
[ سورة الفيل ]
من منكم رأى أصحاب الفيل ؟ ولا أنا رأيت، لكن قال علماء التفسير: ينبغي أن تأخذ خبر الله، وكأنك تراه، هذا إخبار من خالق الكون، قال تعالى:
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
[ سورة النحل: الآية 1]
إذاً لم يأت، لكن الله سبحانه وتعالى مادام قد أخبرنا أنه سيأتي فكأنه أتى، من هو المؤمن ؟ هو الذي يؤمن بالغيب.
أنت راكب دراجة، الطريق مستوٍ، وجدت طريقين، طريقًا نازلا، وطريقًا صاعدًا، كل خلية بجسمك، وكل قطرة بدمك تدعوك إلى سلوك الطريق النازل، لأنك راكب دراجة معطيات الطريق سليمة، الطريق معبد، تحفه الأشجار والرياحين والورود، ونسمات لطيفة وعليلة، هذا الواقع، الواقع يدعوك أن تسلك الطريق النازل، لكن لوحة صغيرة كتب عليها: أن هذا الطريق النازلة تنتهي بحفرة ما لها من قرار، فيها وحوش كاسرة وجائعة، هذا النص يجب أن يعكس قرارك الطريق الصاعدة، مع أنها وعرة، وفيها غبار، وفي حر، لكنها تنتهي بقصر، هو لمن وصل إليه.
أنا أعطيكم مثلا حادًّا، الواقع المحسوس يدعوك أن تسلك الطريق الهابط، لكن النص الذي عند مفترق الطرق يدعوك أن تسلك الطريق الآخر، المتعبة، الصاعدة، التي فيها أكمات، فيها عقبات، فمن هو البطل ؟ ولا سيما إذا كان المخبر هو الله، البطل الذي يقرأ هذا القرآن، ويصدق ما فيه، ويعمل بمقتضاه، ولا يؤخذ بمظاهر الحياة الدنيا.
لا أبالغ، معظم الناس يعيشون الواقع فقط، يريد أن يأكل، وأن يشرب، وأن يستمتع بالحياة، ولا يعبأ كثيراً ما إذا كان دخله حراماً أو حلالاً، لا يعبأ كثيراً أن الله سيسأله عن كل درهم كسبه، من أين اكتسبته ؟ وفيم أنفقته ؟ يعيش الواقع، يأكل، يشرب، يستمتع، يتنزه، يملأ عينيه من محاسن النساء، يتابع الفضائيات حتى ساعة متأخرة من الليل، يقول: هذه الحياة، هو يعيش واقع ممتع، أما الآخرة التي سيحاسب فيها عن كل شيء فهي فكرة، وليست واقعاً، لذلك عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
[أحمد]
العبد الفقير، سافرت إلى بلد بعيد، البلد البعيد في نصف الكرة الجنوبي، فأنا هنا أشعر بالحر، الحرارة ثلاثة وأربعون، أنا أعيش واقع الحر، فتحت، سألت فوجدت أن الوقت هناك شتاء، والحرارة هناك سبع أو ثماني درجات، بقيت فكرة، هذه لم تكن واقعاً، لم آخذ من الثياب شيئاً إلا ما هو صيفي، أعيش واقع الحر، ولم أنتبه إلى الفكرة التي قرأتها في موقع معلوماتي عن تلك البلاد، فلما وصلت عشت واقع البرد، تمنيت لو معي ثياب شتوية، درس لا أنساه.
كلمة: ( يؤمنون بالغيب ) من هو البطل ؟ الذي يصدق الله بهذا القرآن.
أيها الإخوة الكرام، إن لم تعكس موازينك وخطتك لم تؤمن بالغيب، الواقع يدعوك أن تأخذ المال، والقرآن يدعوك أن تنفق المال، الواقع يدعوك أن تستمتع بالحياة، والقرآن يدعوك أن تنضبط وفق منهج الله، الواقع يدعوك أن تنام، والواقع يدعوك أن تستيقظ:
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً﴾
[ سورة المزمل ]
الآن نحن في أول ليلة من ليالي رمضان، البطولة أن تؤمن بالغيب، أما الإيمان بالواقع فسهل جداً تعيشه أنت، أيّ إنسان يقول: أنا واقعي، البطولة أن تؤمن بهذه اللوحة التي تؤكد لك أن هذا الطريق الذي يريحك، ويسليك، ويمتعك ينتهي بحفرة مالها من قرار، وأن هذا الطريق الصاعدة المتعبة الذي لا تحبه فيها غبار، وعقبات وأكمات، هذا الطريق الذي سوف يسعدك، من هو البطل ؟ الذي يؤمن بالغيب.
مشكلات الناس في معظمها يعيشون الواقع لا يهتمون بغذائهم، الأغذية الطيبة الرائعة تسبب أمراضاً كثيرة جداً، ترى إنساناً يؤمن بما يقوله الأطباء، يأكل الأكل الصحي، ولا تأخذه الشهوة إلى أكل يؤذيه، إذاً الإيمان بالغيب هو سبب سلامتنا وسعادتنا، نحن أمام القرآن الكريم، إن شاء الله البطولة في رمضان أن تصدق الواحد الديان، أن تصدق رب العالمين، أن تعمل بهذا الخبر.
وكنت أضرب مثلاً دائماً أعدته كثيراً، إنسان متجه إلى حمص في أيام الشتاء، ودمشق فيها شمس، والطرقات جافة كلها، إذا بلوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج، وضعت اللوحة في النبك، في ظاهر دمشق ماذا تفعل ؟ تعود ما الذي أعادك إلى بلدك ؟ النص، اللوحة لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج، ما الذي حكمها ؟ الواقع، القضية بكلمتين، إن كنت عاقلاً يحكمك النص، وإن عطلت عقلك يحكمك الواقع.
الناس يعيشون، يأكلون، يشربون، يتمتعون، ولا يلتفتون إلى ذلك اليوم الذي تحاسب فيه عن كل كلمة، وعن كل حركة، وعن كل سكنة، وعن كل صلة، وعن كل قطيعة، وعن كل قطيعة، وعن كل غضب، وعن كل رضا، لماذا فعلت ؟
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ ))
[ الترمذي، الدارمي ]
فأنا وقفت عند كلمة واحدة، كلمة الغيب، إن كنت مؤمناً برب السماوات والأرض تأخذ كلام الله لا على أنه غيب، لكن على أنه مشهود، يجب أن تتلقى إخبار الله وكأنك تراه، يجب أن ينقلب الغيب عندك إلى واقع، قال تعالى:
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
[ سورة النحل: الآية 1]
أتى فعل ماض، قال:
﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾
المعنى أنه لم يأت، معنى ذلك أنه كونك مؤمنًا، وقد أخبرك الله عز وجل أن هذا اليوم سوف يأتي توقن أنه قد أتى، فهذا موضوع اليوم، كلمة:
﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
لكن لو فرضنا أن الآخرة محسوسة كالدنيا جميع الناس يتجهون إلى الآخرة، ولا يسعدون بها، لأنهم ما فعلوا شيئاً، أما أنت فتقاوم متع الأرض، متع الدنيا التي حرمها الله عز وجل ، وتلتزم بما سمح الله لك به اعتماداً على إخبار الله لك أن هناك يومًا تسعد فيه إلى أبد الآبدين، فبقدر إيمانك بذلك اليوم تكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾
[ سورة البقرة: الآية 3]
والحمد لله رب العالمين
تعليق