بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، من لوازم الإيمان الشكر والعرفان، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، تعريف لأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، وتكريم هذا الإنسان:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
( سورة الإسراء )
مادام هذا الكون قد سخره الله لنا كي نتعرف إليه من خلاله، فينبغي أن نؤمن أن نؤمن به واحداً، وكاملاً، وخالقاً، ورباً، ومسيراً، وأن نؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، وما دام قد سخر هذا الكون لنا تسخير تكريم ينبغي أن نشكر، فالإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يكون قد حقق الهدف من وجوده، يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) ﴾
( سورة النساء الآية: 147 )
يعني أنتم حينما تؤمنون، وحينما تشكرون، تتوقف عنكم كل معالجة، لأنكم حققتم الهدف من وجودكم، لذلك الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: (( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ))
[القضاعي في مسند الشهاب عن أنس]
الموضوع يشبه موضوع الصبر، لقد أمر الله أن نشكره، ونهى عن أن نكفره، وأثنى على الشاكرين، ووصف فيه خواص المتقين، وجعله غاية خلقه وأمره، فالشكر غاية، ووعد أهله بأحسن الجزاء، وجعله سبباً لمزيد من العطاء، وحارساً وحافظاً لنعمته، وأخبر أن أهله هم الذين ينتفعون بآياته، واشتق له اسماً من أسمائه، فإنه سبحانه هو الشكور، وهو ينقل الشاكر إلى مشكور، تشكر فتشكر، وهو غاية الرب من عبيده، وهو ثمن الجنة وأهله قليلون جداً.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ﴾
( سورة سبأ )
قال تعالى:
﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) ﴾
( سورة البقرة )
﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
( سورة البقرة )
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ﴾
( سورة النحل الآيات: 120 ـ 121 )
﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً (3) ﴾
( سورة الإسراء )
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) ﴾
( سورة النحل )
غاية الآيات الكونية أن نشكر.
﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) ﴾
( سورة العنكبوت )
ينبغي أن تشكر لمن ترجع إليه.
﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) ﴾
( سورة آل عمران )
ووعد الله عز وجل الذي يشكر يزيد الله من عطائه.
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾
( سورة إبراهيم )
والمؤمن صبار وشكور.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ﴾
( سورة إبراهيم )
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت، عَنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ: (( قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ))
[ متفق عليه ]
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ: (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي ))
[الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد]
أيها الإخوة، الشكر له مستويات ثلاثة:
أول مستوى: أن تعرف النعمة، لأن معرفة النعمة أحد أنواع الشكر، هناك نعم كثيرة جداً مألوفة، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها.
إنسان عنده زوجة لا تخونه، هذه نعمة كبيرة جداً، لكنها مألوفة عند الناس، فحينما تكون مألوفة يتوهم الإنسان أنها ليست نعمة، لكن لو كان العكس لغلى الإنسان كالمرجل، نعمة أنك تتنعم بصحتك، بأجهزتك، بأعضائك، بجوارحك، بحواسك الخمس، نعمة أنه لك مأوى، فكلما نقلت المألوفات إلى النعم زادك الله نعماً وكرمك، هذا المستوى الأول، أن تعرف أنها نعمة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ))
[مسلم]
ترون وتسمعون ماذا يحل في إخوتنا في فلسطين وفي العراق، نعمة المأوى، نعمة السلامة، نعمة أن العدد مساء صحيح، هذه من نعم الله الكبرى.
المستوى الأعلى: أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل، دون أن تشعر تلهج بحمد الله، يا رب لك الحمد.
المستوى الأعلى والأعلى: أن تقابل هذه النعم بعمل صالح بخدمة عباده، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾
( سورة سبأ الآية: 13 )
الشكر الحقيقي هو ما ترجم إلى عمل.
أيها الإخوة، يقول الله عز وجل في حديث قدسي: (( أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))
وفي حديث صحيح عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))
[رواه ابن الإمام أحمد]
لكن أيها الإخوة، المعنى الدقيق أن شكر النعمة لا يتم إلا بنعمة جديدة، وهي نعمة الشكر، لذلك في الدعاء الشريف: (( اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك ))
[ورد في الأثر]
أيضاً نستعين بالله على أن نشكره، الشكر الذي يليق بنعمه، لكن لا بد من تعليق، هناك إنسان يتوهم نفسه موحداً، يقول: أنا لا أشكر إلا الله، جيد هذا الكلام، لكن هذا الذي ساق لك الخير على يديه هو إنسان ومخير، واختار أن يقدم لك هذا الخير، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ))
[الترمذي]
ليس هناك تناقض بين شكر الناس وبين شكر الله، لكن الله عز وجل هو الذي مكن هذا الإنسان أن يقدم لي هذه الخدمة، وسمح له بذلك، ووفقه إلى ذلك، إذاً أنا واجبي أن أشكر الله أولاً، ثم أن أشكر هذا الإنسان، لأن هذا يقوي العمل الصالح في المجتمع، أما كلما جاءتك نعمة من إنسان تنكرت له، وقلت: أنا لا أشكر إلا الله، ليس هذا من أخلاق المؤمن.
شيء آخر، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ))
[الترمذي]
كما أن الله شكور ينبغي أن تكون أنت كذلك شكوراً، فأي إنسان قدم لك خدمة ينبغي أن تشكره عليها، والحقيقة أن الشكر يقوي العلاقات بين الناس، أية خدمة قدمت لك أية هدية قدمت لك، أي معروف صنع لك ينبغي أن تبادر، فتشكر هذا الذي قدمه لك، هذا من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ))
الحقيقة هناك أشخاص مهما قدمت إليهم المعروف، ولا كلمة، ولا شكر، ولا إشارة، ولا عبارة، ولا اتصال هاتفي، ولا بطاقة شكر، وكأنه واجب عليك أن تكون خادماً له، وهو في استعلاء وكبر، والعياذ بالله، وهناك أشخاص أقلّ خدمة تقدمها له يبادر فيشكرك، فإذا استطعت أن ترد على هذه الخدمة بخدمة فهذا هو الأصل، أما إذا لم تستطع فادع له، فإنك بهذا تشكره، أثنِ عليه وادعُ له، إن قلت له جزاك الله خيراً، فهذا نوع من الشكر.
شيء آخر، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ))
[الترمذي]
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي ونزع عن ثوبه قشة، فرفع النبي يديه إلى السماء، وقال: جزاك الله خيراً.
أما التحدث بنعمة الله فهناك من يتوهم أنك إذا سافرت إلى بلد، واستمتعت، وأنفقت أموالا طائلة، ولك دخل كبير، فكلما جلست في مكان تحدثت عن نعمة الله عليك بهذا الدخل الكبير، وبهذا الطعام الطيب، وبهذه الحركات الممتعة، ليس هذا هو القصد، القصد أن تتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد، أما أن تبدو فقيراً، وأنت غني فهذا أيضاً ليس من الدين في شيء، وفي الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ))
[الترمذي]
أنت في بحبوحة ارتَدِ ثيابًا جميلة، ثيابًا نظيفة، أن تكون بمظهر رثٍّ وأنت لست كذلك فهذا من كفر النعمة أيضاً.
ثم إن الإنسان أيها الإخوة حينما يستعين بالله على شكر نعمه يكون قد أدى حقيقة نفسه، وتأكد أنه يستحيل أن تأتيك نعمة، وأن تشكرها ثم تحجب عنك، لأن الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
( سورة الرعد الآية: 11 )
إذا كنت شاكراً لنعمه فأنت في حصين، وأنت في بحبوحة من رب العالمين، أما إذا تغيرت أخلاقك، واستغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم، والله عز وجل إذا أعطى أدهش، وإذا أخذ أدهش، أحياناً الإنسان ينتقل من كل شيء إلى لا شيء، وقد سمعت عن أناس كثيرين لهم دخول فلكية، والله انتهت حياتهم أنهم نقبوا بالقمامة، شيء لا يصدق، إنسان من دخل فلكي إلى تنقيب بالقمامة !؟.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مؤدبين مع الله، وأن نشكر نعم الله علينا، فكل نعمة أنت فيها نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها.
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، من لوازم الإيمان الشكر والعرفان، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، تعريف لأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، وتكريم هذا الإنسان:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
( سورة الإسراء )
مادام هذا الكون قد سخره الله لنا كي نتعرف إليه من خلاله، فينبغي أن نؤمن أن نؤمن به واحداً، وكاملاً، وخالقاً، ورباً، ومسيراً، وأن نؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، وما دام قد سخر هذا الكون لنا تسخير تكريم ينبغي أن نشكر، فالإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يكون قد حقق الهدف من وجوده، يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) ﴾
( سورة النساء الآية: 147 )
يعني أنتم حينما تؤمنون، وحينما تشكرون، تتوقف عنكم كل معالجة، لأنكم حققتم الهدف من وجودكم، لذلك الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: (( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ))
[القضاعي في مسند الشهاب عن أنس]
الموضوع يشبه موضوع الصبر، لقد أمر الله أن نشكره، ونهى عن أن نكفره، وأثنى على الشاكرين، ووصف فيه خواص المتقين، وجعله غاية خلقه وأمره، فالشكر غاية، ووعد أهله بأحسن الجزاء، وجعله سبباً لمزيد من العطاء، وحارساً وحافظاً لنعمته، وأخبر أن أهله هم الذين ينتفعون بآياته، واشتق له اسماً من أسمائه، فإنه سبحانه هو الشكور، وهو ينقل الشاكر إلى مشكور، تشكر فتشكر، وهو غاية الرب من عبيده، وهو ثمن الجنة وأهله قليلون جداً.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ﴾
( سورة سبأ )
قال تعالى:
﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) ﴾
( سورة البقرة )
﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
( سورة البقرة )
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ﴾
( سورة النحل الآيات: 120 ـ 121 )
﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً (3) ﴾
( سورة الإسراء )
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) ﴾
( سورة النحل )
غاية الآيات الكونية أن نشكر.
﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) ﴾
( سورة العنكبوت )
ينبغي أن تشكر لمن ترجع إليه.
﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) ﴾
( سورة آل عمران )
ووعد الله عز وجل الذي يشكر يزيد الله من عطائه.
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾
( سورة إبراهيم )
والمؤمن صبار وشكور.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ﴾
( سورة إبراهيم )
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت، عَنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ: (( قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ))
[ متفق عليه ]
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ: (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي ))
[الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد]
أيها الإخوة، الشكر له مستويات ثلاثة:
أول مستوى: أن تعرف النعمة، لأن معرفة النعمة أحد أنواع الشكر، هناك نعم كثيرة جداً مألوفة، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها.
إنسان عنده زوجة لا تخونه، هذه نعمة كبيرة جداً، لكنها مألوفة عند الناس، فحينما تكون مألوفة يتوهم الإنسان أنها ليست نعمة، لكن لو كان العكس لغلى الإنسان كالمرجل، نعمة أنك تتنعم بصحتك، بأجهزتك، بأعضائك، بجوارحك، بحواسك الخمس، نعمة أنه لك مأوى، فكلما نقلت المألوفات إلى النعم زادك الله نعماً وكرمك، هذا المستوى الأول، أن تعرف أنها نعمة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ))
[مسلم]
ترون وتسمعون ماذا يحل في إخوتنا في فلسطين وفي العراق، نعمة المأوى، نعمة السلامة، نعمة أن العدد مساء صحيح، هذه من نعم الله الكبرى.
المستوى الأعلى: أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل، دون أن تشعر تلهج بحمد الله، يا رب لك الحمد.
المستوى الأعلى والأعلى: أن تقابل هذه النعم بعمل صالح بخدمة عباده، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾
( سورة سبأ الآية: 13 )
الشكر الحقيقي هو ما ترجم إلى عمل.
أيها الإخوة، يقول الله عز وجل في حديث قدسي: (( أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))
وفي حديث صحيح عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))
[رواه ابن الإمام أحمد]
لكن أيها الإخوة، المعنى الدقيق أن شكر النعمة لا يتم إلا بنعمة جديدة، وهي نعمة الشكر، لذلك في الدعاء الشريف: (( اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك ))
[ورد في الأثر]
أيضاً نستعين بالله على أن نشكره، الشكر الذي يليق بنعمه، لكن لا بد من تعليق، هناك إنسان يتوهم نفسه موحداً، يقول: أنا لا أشكر إلا الله، جيد هذا الكلام، لكن هذا الذي ساق لك الخير على يديه هو إنسان ومخير، واختار أن يقدم لك هذا الخير، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ))
[الترمذي]
ليس هناك تناقض بين شكر الناس وبين شكر الله، لكن الله عز وجل هو الذي مكن هذا الإنسان أن يقدم لي هذه الخدمة، وسمح له بذلك، ووفقه إلى ذلك، إذاً أنا واجبي أن أشكر الله أولاً، ثم أن أشكر هذا الإنسان، لأن هذا يقوي العمل الصالح في المجتمع، أما كلما جاءتك نعمة من إنسان تنكرت له، وقلت: أنا لا أشكر إلا الله، ليس هذا من أخلاق المؤمن.
شيء آخر، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ))
[الترمذي]
كما أن الله شكور ينبغي أن تكون أنت كذلك شكوراً، فأي إنسان قدم لك خدمة ينبغي أن تشكره عليها، والحقيقة أن الشكر يقوي العلاقات بين الناس، أية خدمة قدمت لك أية هدية قدمت لك، أي معروف صنع لك ينبغي أن تبادر، فتشكر هذا الذي قدمه لك، هذا من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ))
الحقيقة هناك أشخاص مهما قدمت إليهم المعروف، ولا كلمة، ولا شكر، ولا إشارة، ولا عبارة، ولا اتصال هاتفي، ولا بطاقة شكر، وكأنه واجب عليك أن تكون خادماً له، وهو في استعلاء وكبر، والعياذ بالله، وهناك أشخاص أقلّ خدمة تقدمها له يبادر فيشكرك، فإذا استطعت أن ترد على هذه الخدمة بخدمة فهذا هو الأصل، أما إذا لم تستطع فادع له، فإنك بهذا تشكره، أثنِ عليه وادعُ له، إن قلت له جزاك الله خيراً، فهذا نوع من الشكر.
شيء آخر، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ))
[الترمذي]
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي ونزع عن ثوبه قشة، فرفع النبي يديه إلى السماء، وقال: جزاك الله خيراً.
أما التحدث بنعمة الله فهناك من يتوهم أنك إذا سافرت إلى بلد، واستمتعت، وأنفقت أموالا طائلة، ولك دخل كبير، فكلما جلست في مكان تحدثت عن نعمة الله عليك بهذا الدخل الكبير، وبهذا الطعام الطيب، وبهذه الحركات الممتعة، ليس هذا هو القصد، القصد أن تتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد، أما أن تبدو فقيراً، وأنت غني فهذا أيضاً ليس من الدين في شيء، وفي الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ))
[الترمذي]
أنت في بحبوحة ارتَدِ ثيابًا جميلة، ثيابًا نظيفة، أن تكون بمظهر رثٍّ وأنت لست كذلك فهذا من كفر النعمة أيضاً.
ثم إن الإنسان أيها الإخوة حينما يستعين بالله على شكر نعمه يكون قد أدى حقيقة نفسه، وتأكد أنه يستحيل أن تأتيك نعمة، وأن تشكرها ثم تحجب عنك، لأن الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
( سورة الرعد الآية: 11 )
إذا كنت شاكراً لنعمه فأنت في حصين، وأنت في بحبوحة من رب العالمين، أما إذا تغيرت أخلاقك، واستغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم، والله عز وجل إذا أعطى أدهش، وإذا أخذ أدهش، أحياناً الإنسان ينتقل من كل شيء إلى لا شيء، وقد سمعت عن أناس كثيرين لهم دخول فلكية، والله انتهت حياتهم أنهم نقبوا بالقمامة، شيء لا يصدق، إنسان من دخل فلكي إلى تنقيب بالقمامة !؟.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مؤدبين مع الله، وأن نشكر نعم الله علينا، فكل نعمة أنت فيها نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها.
والحمد لله رب العالمين
تعليق