بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
سرية بشير بن سعد إلى مزة بفدك وغزوة مُؤْتَة
وفي شعبان بلغه عليه الصلاة والسلام أن جمعاً من هوازن بتُربَة يظهرون العداوة للمسلمين فأرسل لهم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلاً فسار إليهم. ولما بلغهم الخبر تفرقوا فلم يجد بها عمر أحداً، فرجع ثم أرسل بشير بن سعد الأنصاري لقتال بني مرّة بناحية فَدَاك، فلما ورد بلادهم لم يرَ منهم أحداً، فأخذ نَعَمَهم وانحدر إلى المدينة، أما القوم فكانوا في الوادي، فجاءهم الصريخ فأدركوا بشيراً ليلاً وهو راجع فتراموا بالنبل، ولما أصبح اقتتل الفريقان قتالاً شديداً حتى قُتِل غالبُ المسلمين، وجُرِحَ بشير جرحاً شديداً حتى ظن أنه مات، ولما انصرف عنه العدو تحامل حتى جاء إلى رسول الله وأخبره الخبر.
سرية غالب بن عبد الله إلى أهل المبفعة بنجد
وفي رمضان أرسل عليه الصلاة والسلام غالب بن عبد الله الليثي إلى أهل المِيْفَعَة في مائة وثلاثين رجلاً، فساروا حتى هجموا على القوم فقتلوا بعضاً وأسروا آخرين، وفي أثناء الحرب طارد أُسامة بن زيد رجلاً من المشركين، ولما رأى المشرك الموت في يد أُسامة تشهَّد فظن أُسامة أن عدوه إنما قال ذلك تخلصاً فقتله ولما رجع المسلمون إلى المدينة وأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعلة أُسامة قال أقتلته بعد أن قال لا إله إلاّ الله فكيف تصنع بلا إله إلاّ الله قال يا رسول الله إنما قالها متعوذاً من القتل قال عليه الصلاة والسلام فهلاّ شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فقال يا رسول الله استغفر لي قال عليه الصلاة والسلام فكيف بلا إله إلاّ الله فما زال يكررها حتى تمنى أُسامة أنه لم يسلم قبل ذلك اليوم وأنزل الله: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً)[1] ثم أمر عليه الصلاة والسلام أُسامة أن يعتق رقبة كفارة لأنه قتل خطأ.
سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار
وفي شوال بلغه عليه الصلاة والسلام أن عُيينة بن حصن واعدَ جماعة من غطفان كانوا مقيمين قريباً من خيبر بأرض اسمها يُمْن وجُبَار للإغارة على المدينة، فأرسل لهم بشيربن سعد في ثلاثمائة رجل، فساروا إليهم يكمنون النهار، ويسيرون الليل حتى أتوا محلتهم، فأصابوا نَعَماً كثيرة، وتفرق الرِّعاء فأخبروا قومهم ففزعوا ولحقوا بعُلْيا بلادهم، ولم يظفر المسلمون إلا برجلين أسلما، ثم رجعوا بالغنائم إلى المدينة.
زواج ميمونة
وتزوج صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج عمه حمزةبن عبد المطلب شهيد أُحُد، وخالة عبد الله بن العباس وهي آخر نسائه زواجاً ولم يدخل بها إلا بعد الخروج من مكة حيث كان بِسَرِف. ولما خرج عليه الصلاة والسلام أمر الذين كان تركهم لحراسة الخَيل بالذهاب ليطوفوا ففعلوا، ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى المدينة فرحاً مسروراً بما حَبَاه الله من تصديق رؤياه.
السَّنَة الثامِنَة : سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح
وفي صَفَر أرسل عليه الصلاة والسلام غالب بن عبد الله الليثي إلى بني المُلَوِّح، وهم قوم من العرب يسكنون بالكَدِيد فسار القوم حتى إذا كانوا بقُدَيدٍ التقوا بالحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء، وكان خصماً لدوداً فأسروه، فقال لهم: ما جئت إلا للإسلام، فقالوا له: إن تكن مسلماً لن يضرك رباط ليلة وإلا استوثقنا منك، ثم ساروا حتى وصلوا محلة بني الملوّح فاستاقوا النَّعَم والشاء، وخرج الصريخ إلى القوم فجاءهم ما لا قبل لهم به، ولكن منّ الله على المسلمين، فأرسل سيلاً شديداً حالَ بينهم وبين عدوهم حتى صار المشركون يرون نَعَمَهم تُساق وهم لا يقدرون على ردّها.
سرية غالب بن عبد الله إلى بني مزة (بفدك)
ولما رجع غالب إلى المدينة ظافراً أرسله عليه الصلاة والسلام في مائتي رجل ليقتصّ من بني مرّة بفدك وهم الذين أصابوا سرية بشير بن سعد فساروا حتى إذا كانوا قريباً من القوم خطب غالب فيمن معه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد فإني أُوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمراً فإنه لا رأي لمن لا يُطاع. ثم آخى بين الجند، فقال: يا فلان أنت وفلان، ويا فلان أنت وفلان، لا يفارق أحد منكم زميله، وإيّاكم أن يرجع الرجل منكم فأقولَ له: أين صاحبك؟ فيقول: لا أدري، فإذا كبَّرت فكبّروا، فلما أحاطوا بالعدو، وكبّر كبّروا، وجرّدوا السيوف فلم يفلت من عدوهم أحد، واستاقوا نَعَمَهُمْ، فكان لكل واحد من الغزاة عشرة أبعِرة.
سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح
وفي ربيع الأول أرسل عليه الصلاة والسلام كعب بن عُمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام في خمسة عشر رجلاً، فوجدوا جمعاً كثيراً فدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا وقاتلوا، وكانوا أكثر عدداً، فاستشهد المسلمون عن آخرهم إلا رئيسهم كعب بن عمير فإنه نجا، وأتى بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَشَقَّ عليه، وأراد أن يبعث إليهم من يقتص منهم، فبلغه أنهم تحوَّلوا من منزلهم فعدل عن ذلك.
غزوة مُؤْتَة
جهَّز عليه الصلاة والسلام في جمادى الأولى جيشاً للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الأزدي رسوله إلى أمير بُصرى، وأمَّر عليهم زيدَ بن حارثة، وقال لهم: إن أُصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أُصيب فعبد الله بن رواحة. وكان عدّة الجيش ثلاثة آلاف فساروا وشيَّعهم عليه الصلاة والسلام، وكان فيما وصّاهم به: «اغزوا باسم الله فقاتلوا عدوّ الله وعدوّكم بالشام، وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ولا بصيراً فانياً، ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً»[2]. ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا مُؤْتة مقتل الحارث بن عمير، وهناك وجدوا الروم قد جمعوا لهم جمعاً عظيماً، منهم ومن العرب المتنصِّرة. فتفاوض رجال الجيش فيما يفعلونه: أيرسلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه مَدداً أم يقدمون على الحرب؟ فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن الذي تكرهون هو ما خرجتم له، خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل بعدد ولا بقوة ولا بكثرة، ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما الظهور وإما الشهادة، فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. ومضوا للقتال، فلقوا هذه الجموع المتكاثرة، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه حتى استشهد، فأخذ الراية جعفرُ بن أبي طالب وهو يقول: يا حبَّذا الجَنَّةُ واقْتِرَابُها طيِّبَةٌ وباردٌ شَرابُها والرومُ روم قد دَنا عذابُها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها عليَّ إذ لاقيتُها ضرابُها ولم يزل يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم ثم تردد بعض التردّد، فقال يخاطب نفسه: أقسمتُ يا نفسُ لتنزِلنَّه طائعةً أو لَتكْرَهِنَّهْ إن أجلبَ الناسُ وشدّوا الرَّنَّهما لي أراكِ تكرهين الجنّة قد طال ما قد كنتِ مُطمئنَّه هل أنتِ إلا نُطفة في شَنَّه؟ ثم اقتحم بفرسه المعمعة، ولم يزل يقاتل رضي الله عنه حتى استشهد، فهمَّ بعض المسلمين بالرجوع إلى الوراء، فقال لهم عقبة بن عامر: يا قوم يُقتل الإنسان مقبلاً خير من أن يقتل مدبراً، فتراجعوا واتفقوا على تأمير الشهم الباسل خالد بن الوليد وبهمَّته ومَهارته الحربية حمى هذا الجيش من الضياع إذ ما تفعل ثلاثة آلاف بمائة وخمسين ألفاً فإنه لما أخذ الراية قاتل يومه قتالاً شديدا في غده خالف ترتيب العسكر فجعل الساقة مقدمة والمقدمة ساقة والميمنة ميسرة والميسرة ميمنة فظنَّ الروم أن المَدَد جاء للمسلمين فرعبوا.ثم أخذ خالد الجيش وصار يرجع إلى الوراء حتى انحاز إلى مُؤتة، ثم مكث يناوش الأعداء سبعة أيام ثم تحاجز الفريقان لأن الكفار ظنوا أن الأمداد تتوالى للمسلمين، وخافوا أن يجرّوهم إلى وسط الصحارى حيث لا يمكنهم التخلّص وبذلك انقطع القتال، وقد نعى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأُصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وكانت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ثم قال حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم وجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر يبكين، فأمره أن ينهاهنّ، فذهب الرجل ثم أتى فقالت: قد نهيتهنّ فلم يُطِعْنَ، فأمره فذهب ثانياً، ثم جاء فقال: والله لقد غلبنا، فقال له عليه الصلاة والسلام: احْثُ في أفواههنّ التراب.ولما أقبل الجيش إلى المدينة قابلهم المسلمون يقولون لهم: يا فُرّار، فقال عليه الصلاة والسلام: بل هم الكُرَّار. ظن المقيمون بالمدينة أن انحياز خالد بالجيش هزيمة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراهم أن ذلك من مكايد الحرب، وأثنى على خالد في مهارته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
سرية بشير بن سعد إلى مزة بفدك وغزوة مُؤْتَة
وفي شعبان بلغه عليه الصلاة والسلام أن جمعاً من هوازن بتُربَة يظهرون العداوة للمسلمين فأرسل لهم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلاً فسار إليهم. ولما بلغهم الخبر تفرقوا فلم يجد بها عمر أحداً، فرجع ثم أرسل بشير بن سعد الأنصاري لقتال بني مرّة بناحية فَدَاك، فلما ورد بلادهم لم يرَ منهم أحداً، فأخذ نَعَمَهم وانحدر إلى المدينة، أما القوم فكانوا في الوادي، فجاءهم الصريخ فأدركوا بشيراً ليلاً وهو راجع فتراموا بالنبل، ولما أصبح اقتتل الفريقان قتالاً شديداً حتى قُتِل غالبُ المسلمين، وجُرِحَ بشير جرحاً شديداً حتى ظن أنه مات، ولما انصرف عنه العدو تحامل حتى جاء إلى رسول الله وأخبره الخبر.
سرية غالب بن عبد الله إلى أهل المبفعة بنجد
وفي رمضان أرسل عليه الصلاة والسلام غالب بن عبد الله الليثي إلى أهل المِيْفَعَة في مائة وثلاثين رجلاً، فساروا حتى هجموا على القوم فقتلوا بعضاً وأسروا آخرين، وفي أثناء الحرب طارد أُسامة بن زيد رجلاً من المشركين، ولما رأى المشرك الموت في يد أُسامة تشهَّد فظن أُسامة أن عدوه إنما قال ذلك تخلصاً فقتله ولما رجع المسلمون إلى المدينة وأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعلة أُسامة قال أقتلته بعد أن قال لا إله إلاّ الله فكيف تصنع بلا إله إلاّ الله قال يا رسول الله إنما قالها متعوذاً من القتل قال عليه الصلاة والسلام فهلاّ شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فقال يا رسول الله استغفر لي قال عليه الصلاة والسلام فكيف بلا إله إلاّ الله فما زال يكررها حتى تمنى أُسامة أنه لم يسلم قبل ذلك اليوم وأنزل الله: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً)[1] ثم أمر عليه الصلاة والسلام أُسامة أن يعتق رقبة كفارة لأنه قتل خطأ.
سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار
وفي شوال بلغه عليه الصلاة والسلام أن عُيينة بن حصن واعدَ جماعة من غطفان كانوا مقيمين قريباً من خيبر بأرض اسمها يُمْن وجُبَار للإغارة على المدينة، فأرسل لهم بشيربن سعد في ثلاثمائة رجل، فساروا إليهم يكمنون النهار، ويسيرون الليل حتى أتوا محلتهم، فأصابوا نَعَماً كثيرة، وتفرق الرِّعاء فأخبروا قومهم ففزعوا ولحقوا بعُلْيا بلادهم، ولم يظفر المسلمون إلا برجلين أسلما، ثم رجعوا بالغنائم إلى المدينة.
زواج ميمونة
وتزوج صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج عمه حمزةبن عبد المطلب شهيد أُحُد، وخالة عبد الله بن العباس وهي آخر نسائه زواجاً ولم يدخل بها إلا بعد الخروج من مكة حيث كان بِسَرِف. ولما خرج عليه الصلاة والسلام أمر الذين كان تركهم لحراسة الخَيل بالذهاب ليطوفوا ففعلوا، ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى المدينة فرحاً مسروراً بما حَبَاه الله من تصديق رؤياه.
السَّنَة الثامِنَة : سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح
وفي صَفَر أرسل عليه الصلاة والسلام غالب بن عبد الله الليثي إلى بني المُلَوِّح، وهم قوم من العرب يسكنون بالكَدِيد فسار القوم حتى إذا كانوا بقُدَيدٍ التقوا بالحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء، وكان خصماً لدوداً فأسروه، فقال لهم: ما جئت إلا للإسلام، فقالوا له: إن تكن مسلماً لن يضرك رباط ليلة وإلا استوثقنا منك، ثم ساروا حتى وصلوا محلة بني الملوّح فاستاقوا النَّعَم والشاء، وخرج الصريخ إلى القوم فجاءهم ما لا قبل لهم به، ولكن منّ الله على المسلمين، فأرسل سيلاً شديداً حالَ بينهم وبين عدوهم حتى صار المشركون يرون نَعَمَهم تُساق وهم لا يقدرون على ردّها.
سرية غالب بن عبد الله إلى بني مزة (بفدك)
ولما رجع غالب إلى المدينة ظافراً أرسله عليه الصلاة والسلام في مائتي رجل ليقتصّ من بني مرّة بفدك وهم الذين أصابوا سرية بشير بن سعد فساروا حتى إذا كانوا قريباً من القوم خطب غالب فيمن معه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد فإني أُوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمراً فإنه لا رأي لمن لا يُطاع. ثم آخى بين الجند، فقال: يا فلان أنت وفلان، ويا فلان أنت وفلان، لا يفارق أحد منكم زميله، وإيّاكم أن يرجع الرجل منكم فأقولَ له: أين صاحبك؟ فيقول: لا أدري، فإذا كبَّرت فكبّروا، فلما أحاطوا بالعدو، وكبّر كبّروا، وجرّدوا السيوف فلم يفلت من عدوهم أحد، واستاقوا نَعَمَهُمْ، فكان لكل واحد من الغزاة عشرة أبعِرة.
سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح
وفي ربيع الأول أرسل عليه الصلاة والسلام كعب بن عُمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام في خمسة عشر رجلاً، فوجدوا جمعاً كثيراً فدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا وقاتلوا، وكانوا أكثر عدداً، فاستشهد المسلمون عن آخرهم إلا رئيسهم كعب بن عمير فإنه نجا، وأتى بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَشَقَّ عليه، وأراد أن يبعث إليهم من يقتص منهم، فبلغه أنهم تحوَّلوا من منزلهم فعدل عن ذلك.
غزوة مُؤْتَة
جهَّز عليه الصلاة والسلام في جمادى الأولى جيشاً للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الأزدي رسوله إلى أمير بُصرى، وأمَّر عليهم زيدَ بن حارثة، وقال لهم: إن أُصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أُصيب فعبد الله بن رواحة. وكان عدّة الجيش ثلاثة آلاف فساروا وشيَّعهم عليه الصلاة والسلام، وكان فيما وصّاهم به: «اغزوا باسم الله فقاتلوا عدوّ الله وعدوّكم بالشام، وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ولا بصيراً فانياً، ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً»[2]. ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا مُؤْتة مقتل الحارث بن عمير، وهناك وجدوا الروم قد جمعوا لهم جمعاً عظيماً، منهم ومن العرب المتنصِّرة. فتفاوض رجال الجيش فيما يفعلونه: أيرسلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه مَدداً أم يقدمون على الحرب؟ فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن الذي تكرهون هو ما خرجتم له، خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل بعدد ولا بقوة ولا بكثرة، ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما الظهور وإما الشهادة، فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. ومضوا للقتال، فلقوا هذه الجموع المتكاثرة، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه حتى استشهد، فأخذ الراية جعفرُ بن أبي طالب وهو يقول: يا حبَّذا الجَنَّةُ واقْتِرَابُها طيِّبَةٌ وباردٌ شَرابُها والرومُ روم قد دَنا عذابُها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها عليَّ إذ لاقيتُها ضرابُها ولم يزل يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم ثم تردد بعض التردّد، فقال يخاطب نفسه: أقسمتُ يا نفسُ لتنزِلنَّه طائعةً أو لَتكْرَهِنَّهْ إن أجلبَ الناسُ وشدّوا الرَّنَّهما لي أراكِ تكرهين الجنّة قد طال ما قد كنتِ مُطمئنَّه هل أنتِ إلا نُطفة في شَنَّه؟ ثم اقتحم بفرسه المعمعة، ولم يزل يقاتل رضي الله عنه حتى استشهد، فهمَّ بعض المسلمين بالرجوع إلى الوراء، فقال لهم عقبة بن عامر: يا قوم يُقتل الإنسان مقبلاً خير من أن يقتل مدبراً، فتراجعوا واتفقوا على تأمير الشهم الباسل خالد بن الوليد وبهمَّته ومَهارته الحربية حمى هذا الجيش من الضياع إذ ما تفعل ثلاثة آلاف بمائة وخمسين ألفاً فإنه لما أخذ الراية قاتل يومه قتالاً شديدا في غده خالف ترتيب العسكر فجعل الساقة مقدمة والمقدمة ساقة والميمنة ميسرة والميسرة ميمنة فظنَّ الروم أن المَدَد جاء للمسلمين فرعبوا.ثم أخذ خالد الجيش وصار يرجع إلى الوراء حتى انحاز إلى مُؤتة، ثم مكث يناوش الأعداء سبعة أيام ثم تحاجز الفريقان لأن الكفار ظنوا أن الأمداد تتوالى للمسلمين، وخافوا أن يجرّوهم إلى وسط الصحارى حيث لا يمكنهم التخلّص وبذلك انقطع القتال، وقد نعى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأُصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وكانت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ثم قال حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم وجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر يبكين، فأمره أن ينهاهنّ، فذهب الرجل ثم أتى فقالت: قد نهيتهنّ فلم يُطِعْنَ، فأمره فذهب ثانياً، ثم جاء فقال: والله لقد غلبنا، فقال له عليه الصلاة والسلام: احْثُ في أفواههنّ التراب.ولما أقبل الجيش إلى المدينة قابلهم المسلمون يقولون لهم: يا فُرّار، فقال عليه الصلاة والسلام: بل هم الكُرَّار. ظن المقيمون بالمدينة أن انحياز خالد بالجيش هزيمة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراهم أن ذلك من مكايد الحرب، وأثنى على خالد في مهارته.