ذو القــــرنين :
أعـوذ بالله من الشيطان الرجـيم بسم الله الرحمن الرحـيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعـوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعـين وبعـد :
فى الكهف الأخير والحلقة الأخيرة من قصة ذى القرنين هذا الذى مكنه الله بالأسباب والعلم والقوة ليقيم ميزان العـدل وبعـد أن ترك ذو القرنين مغرب الشمس فى ظاهرة
من التناسق الفنى البديع فإن المشهد الذى يعرضه السياق القرآنى هو مشهد مكشوف فى الطبيعة والشمس فى وقت غروبها وحين طلوعها والذى بيناه فى غروب الشمس
ينطبق على طلوع الشمس فالشمس دائما غاربة كما أنها دائما شارقة، فذو القرنين كما وصل إالى مغرب الشمس وطاف بين أهلها وتمكن منهم ليقيم ميزان العدل بتفويض
من الله تعالى ( .... قلنا ياذا القرنين إما أن تعـذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) ولا تسل عن الطريقة التى وصل بها ذو القرنين إالى هذه المناطق، فعندما يُمكن الله أحدا من
خلقه يعـطيه كل الأسباب التى تمكنه من الوصول إلى هدفه .... واعلم أن الحياة سِـر مغلق مهما ارتقى العـقل البشرى وتقدم العلم، ذلك أن الله خلق الكون ووضع لكل شيء
قانونا يناسبه فالإنسان كبشر لـه قانونه الذى يتـناسب مع قدرته، ولكن حين يعـطى الله علماً لمن شاء من عـباده فلا يصح أن نسأل عن قانون المسافة أو الزمن أو المكان
لا يمكن أن نضع نحن البشر بمقاييس الزمان والمكان، لأن الله منزه عن المكان والزمان لا نستطيع أن نقول كم من الزمن استغرق ذو القرنين لمطلع الشمس ؟ وما هى وسيلة
المواصلات التى ارتادها سائحا فى مشارق الأرض ومغاربها وجيوشه يعـبر بحارا وسهولا وجبالا ومن هم هؤلاء القوم، إن المتأمل فى أحداث زمانه وما يحيط به غـموض
يجعلنا نجتهد أكثر فى تدبر آيات القرآن " ... حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم " فعلى المسلم الذى يشكل عليه فهم آية من القرآن أن يدعوا الله أن يمن عليه ما خفى عليه
من القرآن ويثق بأن الله تعالى سيفتح عليه، مع السعى إلى أهل العلم والمعرفة الراسخين والمتفقين فى آرائهم وأقوالهم إلى جانب الإطلاع على ما كتبه أئمة التفسير من السلف
الصالح رضى الله تعالى عنهم أجمعـين، وعليه أن يكف عن الخوض فى معانى القرآن الكريم بدون سند علمى وعلى هذا أشار أمير المؤمنين الإمام على رضى الله تعالى عـنه :
" من تبينت لـه الحكمة عرف العـبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان فى الأولين " ومع الآية الكريمة :
( ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مَطـلِع الشمس وجدها تطـلُع على قوم لم نجعـل لهم من دونها سـترا ) ـــ 89 / 90
أتبع سلك طريقا ومنازل.... حتى إذا بلغ مَطلِع الشمس :
هناك لفظين فى القرآن الكريم : مطلِـع ومطلَـع " وردت كلمة مَـطـلِـع في سورة الكهف في قوله تعالى عن ذي القرنين(حتى إذا بلغ مطلِـع الشمس... )ووردت بفتح اللام في سورة القـدر في قوله تعالى : (سلام هي حتى مَـطـلَـع الفجـر )
أما الأولى مطلِـع الشمس بكسر اللام فهي إشارة إلى المكان الذي تطلع منه الشمس والدليل ما بعـد اللفظ حيث قال : " وجدها تطلع على قوم .... " أى في ذلك المكان
وأما الثانية مطلَـع بفتح اللام فهى إشارة إلى وقت طلوع الشمس وهو الشروق .... سلام هي "أي ليلة القدر"حتى مطلع الفجر أي حتى وقت طلوع الفجر، والله تعالى أعلم بمراد آياته
كانت مهمة ذو القرنين عند مغرب الشمس إقامة ميزان العـدل بين القوم فمنهم من آمن ومنهم من صد عن دعـوته،وها هـو وقد بلغ مطلع الشمس فكان هناك قوما ونلاحظ أن القرآن لم
لم يذكر شيئا عن هؤلاء القوم وماذا فعل ذو القرنين معهم... فعـند مغرب الشمس كان هناك قوما منهم المحسن ومنهم المسيء وكانت مهمة ذو القرنين معهم وبتفويض من الله تعالى
إقامة ميزان العـدل بين الحق والباطل فالمحسن يعـطيه جزاء إحسانه والمسيء يعاقب فى الدنيا ثم يرد إلى بارئه فيعـذبه نكرا ...وكان ذلك فى مناطق المستنقعات المائية الموحلة بالطين
وهى ظاهرة من أجمل الظواهر الطبيعية التى تشكل لوحة إلهية رائعة فى غروب الشمس عـندها ولم تكن هـذه المناطق معروفة للنبى الكريم ولا لقومه لأنه كان يعيش فى بيئة صحراوية بادية
وسكان البادية فى ذلك الوقت لم يكن لديهم أدنى تصور عن هذه المناطق....
وجدها تطـلُع على قوم لم نجعـل لهم من دونها سـترا ) :
ولنفهم ما هو الستر ؟ الستر هو الحاجز بين شيئين أيا كان هذين الشيئين والشيء الذى عـندنا أشعة الشمس وأشعة الشمس تنقسم لجزأين أساسين الضوء والحرارة ... إذن وظيفة الستر
حجز ضوء الشمس وحجز حرراتها ....إذن ذو القرنين ذهب إلى قوم ليس عندهـم ما يسترهم من ضـوء الشمس وحرارتها مثل البيوت أو الأشجار ليستظلوا بها، ضـوء الشمس ينفذ
خلال أى شيء حتى فى الأماكن الموجودة تحت الأرض تجد ظلمة المكان بالنهار مختلفة عن الليل...إذن الشيء الذى يستر ضـوء الشمس والحرارة معا، سترا تاما هـو الليل أو الظلام الدامس
ففى الظلام لا يوجـد لأشعة الشمس أى وجـود، بل تكون مستورة تماما... وافهم الآية بتدبر " لـم يجعل لهم من دونها سترا "
ولنرجع إلى ما قاله الإمام القرطبى : فى تفسيره " الجامع لأحكام القرآن الكريم " قال ( ... أى حجابا يستترون منها عند طلوعها ) هكذا كان الإدراك فى وقت نزول القرآن
ولكن بعد إكتشاف كروية الأرض ونظام تعاقب الليل والنهار... إحدى الحقائق التى لم يكن للعقل البشرى الإستعـداد العلمى ليفهمها وقت نزول القرآن اختلف الكلام... إن ذو القرنين وصل إلى
مناطق فى الأرض لا يتعاقب عليها الليل والنهار كباقى أجزاء الكرة الأرضية والنبى الكريم كان يعـيش فى مناطق يتعاقب عليها الليل والنهار كباقى أجزاء الأرض فأراد الله سبحانه وتعالى
أن يخبرنا أن هناك أماكن لا تخضع لقواعـد تعاقب الليل والنهار وحتى يعلم نبى القرآن بتلك المناطق دون أن يراها إنها مناطق القطب الشمالى المتجمد والقطب الجنوبى المتجمد وكأنها رحلة
مصورة فى القرآن العظيم ولنقرأ ما نقلته عن جريدة الوطن المصرية / العدد 1515 / بتاريخ 12 / 6 / 2016 /الموافق 17 من رمضان 1437
عنوان المقال " ناسا " الإنقلاب الصيفى واكتمال البدر لأول مرة منذ 67 سنة ......
" ظاهرة فلكية نادرة الحدوث شهدتها ليلة أمس، بعدما اقترن إكتمال البدر بـــ " الإنقلاب الصيفى " حيث بلغ طول النهار أقصاه فى نصف الكرة الشمالى معلنا بداية شهر الصيف وهما
حدثان أعلنت وكالة الفضـاء الأمريكية " ناســا " أنهما لم يحدثا منذ 67 عاما، حركة الشمس الظاهرية استمرت فى الإتجاه تدريجيا نحو شمال خط الإستواء وتواصل معها ميل أشعتها فازداد
طول النهار ونقص طول الليل هكذا وصفها الدكتور محمد غريب رئيس قسم علوم الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية موضحا أنها تأتى بعد الإعتدال الربيعى ، الأماكن الواقعة فى
المنطقة المتجمدة الشمالية خط عرض " 33 ــــ 66 فأكثر شمالا " لم تشهد أمس غروبا للشمس وهو ما يعرف بــ شمس منتصف الليل ، حيث يظل النهار لمدة 24 ساعة وفى الوقت نفسه
لا تشرق الشمس بالنسبة للأماكن الواقعة فى المنطقة المتجمدة الجنوبية خط عرض " 33 ـــ 66 فأكثر جنوبا " فيسود الليل لمدة 24 ساعة وهو ما يحدث عكسه أثناء " الإنقلاب الشتوى "
نصف الكرة الجنوبى يشهد العكس تماما بحيث تغيب الشمس لمدة 24 ساعة طيلة 6 شهور يليها ظهـور الشمس لمدة 6 شهور متتالية " ..... عذرا علماء الغرب عذرا لكل علماء الفلك
فلقد سبقكم القرآن فى هذا العلم منذ أكثر من 1400 عاما
وكأن الله تعالى يريد أن يخبرنا أن هناك مناطق فى الأرض لا تخضع لقواعد تعاقب الليل والنهار كباقى أجزاء الكرة الأرضية " وشهد شاهد من أهلها " ... حقا وصدقا وعدلا :
( ... لم نجعل لهم من دونها سترا ) وهذا إعجاز من القرآن العظيم ...علما بأن هذه المناطق قليلة السكان ولا توجد مستوطنات بشرية دائمة ولكن نظام بيئي معين صعب المعيشة
بسبب صعوبة تطوير وسائل المواصلات لكثافة الثلوج والكتل الثلجية والتى يصل سمها أحيانا إلى 5 كيلومترات...
( كذلك وقد أحـطنا بما لديه خُـبرا ) ـــ 91
ما عـنده من عظمة المُـلك والجند والقـوة وهنا لا يحيط بأمر ذى القرنين إلا صاحب الأمـر، علام الغيوب والخُــبر بضم الخاء وسكون الباء العلم والإحاطة وهى كناية عن المعلوم عـظيما
بحيث لا يحيط بـه إلا علام الغيوب.....
( ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ) ـــ 92 / 93
البين تقتضـى الفرقة بين شيئين والسد حاجز بين شيئين وقد يكون أمرا معـنويا كما فى قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغـيان ) فالبرزخ هنا معنوى
وقد يكون طبيعيا محسوسا كالجبال فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجـوة تحت الجبلان يعيش فيهما قوما لا يعرفون الكلام ولا يفقهون القول أى لا يفهمون الكلام فالذى يفهم الكلام
يقدر على الكلام وهؤلاء القوم لا يكادون ...يكادون من أفعال المقاربة بمعنى قارب ويكاد يكون فى حكم العـدم وكأنه لا أمل فى أن يفهمهم ولا يفهمون ما يقال لهم...
وفى ( يَـفقـهون ) قراءتان : الأولى بفتح الياء القاف " يَـفقَـهون " والثانية بـضم الياء وكسر القاف " يُـفـقِـهون " أى لا يفقهون غيرهم كلاما ولا يعلمون من غيرهم والقراءتان صحيحتان....
ومادة فـقه : فهم ما يحتاج إلى إعمال فكرللتوصل إلى علم غائب بعلم شاهد...
( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض فهل نجعـل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سـدا ) ـــ94
الآيـة فيها تدبر وتأمل عميق !! لماذا ؟ لأن هؤلاء القوم لا يفهمون القول ولا يفهمون من غيرهم ولكنهم متفاهمين فيما بينهم والدليل (..قالوا ..) فكيف تفاهم معهم ذو القرنين وبأى لغـة خاطبهم ؟
ولنأخذ احتمال : إذا كانوا يتكلمون بلغة غير لغة ذى القرنين !! وهو إحتمال ضعيف لأن الله أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا
كيف خاطبوا ذا القرنين بأسمه الذى خاطبه به الله فى الوقت الذى لم يخاطبه بهذا الإسم أى من الأمم التى مر عليها ذو القرنين فى رحلاته ؟
الله سبحانه وتعالى وصف كلامهم مع ذى القرنين بصيغة الجمع مما يدل على إتحاد كلمتهم وإتحاد كلمتهم يدل على أنهم متفاهمين فيما بينهم .....
من المحتمل أنهم لا يستطيعـون تمييز الكلام والذى لا يستطيع تمييز الكلام لا يقدر على الكلام وهو إحتمال أقرب إلى الصواب، فإذا كان ذلك الإحتمال صوابا فكيف تعامل معهم ذو القرنين ؟
وكيف استطاع أن يتفاهم معهم ويجعلهم يوصلون شكواهم لذى القرنين بهذا الكم من الكلام ؟ !!
من المحتمل أن ذا القرنين تعامل معهم بلغة الإشارة واستطاع أن يجعل من حركات شفاهم وأيديهم كلاما يفهمه وينفذ ما يريدون وهى لغة الصم والبكم فى عصرنا هذا وإن كانت أخذت
منه وقتا وجهدا وصبرا وكان فى وسعه أن ينصرف لأنهم لا يفهمون القول !! ( قالوا ... ) المراد بالقول هنا الدلالة المعبرة تعـبير القول كأن يشيرون بأيديهم إلى شيء معين فهمه ذو القرنين
وعلى هذا لا بد أن ذوالقرنين تعارف على أشياء فهمها منهم فهم القول .... هذا والله أعلم
يأجــــــوج ومأجـــــوج :
يأجوج ومأجوج من بنى آدم ثم من بنى يافث ابن نوح ... وقد رويت أحاديث كثيرة فى شأنهم نذكر منها ما جاء فى صحيح البخارى / ج 9 / كتاب الفتن / ص / 60
" ..... عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضى الله عنهن أنها قالت : استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة، وفى رواية مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قيل أنهلك وفينا الصالحون ؟ نعم إذا كثر الخبث
وقال بعض العلماء : " أن يافث أبو الترك وسمى هؤلاء تركا لأنهم تركوا ما وراء السد من هذه الجهة وإلا فهم أقرباء أولئك وكن كانوا فى أولئك بغى وفساد وجرأة وقد ذكروا أثرا
طويلا فى صفاتهم وطولهم وقصر بعضهم ولآذانهم وروى فى ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها والله أعلم " وقد اطلعت على مجموعة من المراجع بشأن يأجوج ومأجوج ووجدت أنها تأخذ
جدلا فى غيبيات لا نعلم عنها شيئا وتخرج عن السياق وعن الهدف لأنها مسألة غيبية والله سبحانه وتعالى أعطانا العقل نعـمة، لا نضيع هذه النعـمة فى الجدل عن غيبيات لا نعلم عنها شيئا
كل ما نعرفه عنهم أنهم خلق من خلق الله مفسدون فى الأرض ويهلكون الحرث والنسل وسيخرجون أخر الزمان حين يأذن الله لهم بالخروج... فى أى جهة محبوسون الله أعلم !!
( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) ـــ 96 الأنبياء وورد فى أوصافهم أقوال كثيرة وأشياء غريبة نعرض عن ذكرها لعـدم مطابقة بعـضه البعـض....
إن يأجوج ومأجوج موجودون حتى الآن ( .... فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعـد ربى جعله دكاء وكان وعـد ربى حقا )
إذن هم موجودون !! ولكنهم لا يستطيعـون الخروج فهم محبوسون تحت القشرة الأرضية حتى يأتى أمر الله بالخروج... فهم موجودون حتى وقتنا هذا !! أين ...؟ الله أعلم بمحبسهم
وقد يسأل البعـض الم تتمكن الأقمار الصناعية والوسائل العلمية الحديثة التى تصور على أعـماق آلاف الأمتار كفيلة بكشف مكان وجودهم ؟؟ نقول هذا عـبث لأن العلم الأرضى مهما ارتقى
فهـو علم محدود خاضع لعلام الغيوب وبالتالى وجودهـم يدخل فى حكم علم الغـيب ومثل ذلك كالدابة التى ستخرج من الأرض أخر الزمان مع إقتراب الساعة وتكلم الناس :
( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بأياتنا لا يوقنون ) ـــ 82 سورة النمل
واعلم أن سورة الكهف سميت بالكهف لأنها توارى كهوف عديدة داخل هذا الكهف وإلا لكنا عرفنا زمن أصحاب الكهف ومكانهم !! لكنا عرفنا زمن العبد الصالح ومكانه !! لكنا عرفنا من هـو
ذو القرنين ؟ أهو مَلك أم نبى أم عـبد ؟ ومتى كان زمانه وزمن الأحداث الثلاثة مغرب الشمس ومطلع الشمس والقوم الذين لا يفقهون شيئا ؟ لقد شاءت إرادة الله أن تخفى كل ذلك لأن الحكمة
تقتضى ذلك ولم يطلب منا الله تبارك وتعالى أن نبحث فى ذلك بل طلب منا أن نأخذ العـبرة والحكمة من هذه الأحداث فهو يقول لنا فى هذه القصة أن يأجوج ومأجوج موجودون فى كل زمان وفى
أى مكان ووصفهم ينطبق على كل فاسد ومفسد وكل عات فى الأرض ,ان ذو القرنين موجود فى كل زمان وأى مكان متمثلا فى الرجل الصالح المؤمن المصلح فى الأرض، والذى لا يتكالب على
المال... ولا يعمل من أجل جمع المال، ويعمل على درأ الظلم عن المظلومين والوقوف بجانب الضعـفاء....
قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض...
( قالوا... ) بما أن هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون قولا فهذا اللفظ ( قالوا ... ) إنما دلالة معـبرة تعبير القول، كان أول ما فهمه ذو القرنين من هؤلاء القوم أنهم أهل ضعـف ويطلبون حمايتهم
من جبروت وفساد يأجوج ومأجوج وأنهم مستعـدون أن يدفعـوا مبلغ من المال لذى القرنين مقابل أن يحميهم من هؤلاء الجبارين الذين كانوا يأتون إليهم من ممر بين السدين فيقتلون أولادهم
ويأخذوا زروعهم إلى أخر وجوه الإفساد وهؤلاء المستضعـفين لم تمكنهم عقولهم أن يجدوا طريقة يحموا بها أنفسهم ولا يملكون من العلم ما يمكنهم من مجابهة هؤلاء العتاة المفسدين فوجدوا
فى ذى القرنين العـدل والقوة والعلم والصلاح مما جعلهم يستـنجدون به... فماذا كان رد ذو القرنين ؟
( قال ما مكـنى فيه ربى خير فأعـينونى بقـوة أجعـل بينكم وبينهم ردما ) ـــ95
قال ما مكـنى فيه ربى خير :
القول هنا لذو القرنين والدال بالإشارة والذى فهمه ذو القرنين أن هناك ثـغرة يتسلل منها يأجوج ومأجوج فكان لا بد أولا البحث من أين يأتى الشر وعندما عرف أنه يأتيهم من ممر بين جبلين
قرر أن يقوم بحماية هؤلاء القوم المستطعفين ببناء سد يمنع عنهم هجوم يأجوج مأجوج فأفهمهم ذو القرنين أن له ربا أتاه من الأسباب ما يمنع عنهم شر يأجوج ومأجوج... وهذا فى حد ذاته
تأييد من الله لذى القرنين فقال لهم أن ما يقوم به من حماية أهل الضعـف هو عمل خير ينتظر جزاءه من ربه وأن هذا العـمل خير من المال الذى يعرضونه... بل من مال الأرض كله وهذا دليل
على أن الرجل الصالح المؤمن لا يتكالب على المال ولا يعمل من أجل جمع المال بل يعلم يقينا أن الخير الذى يعمله فى الدنيا هو الباقى والنافع فى الأخرة، يوم لا ينفع مال، وذو القرنين رد حالة
التمكن المطلقة لله عز وجل لأن الله هو الذى مكنه ( .... إنا مكنا له فى الأرض ... )، فكان لابد أن يرد التمكن لله فقال ( ما مكنى فيه ربى .... )
فأعـينونى : معونة الممكن فى الأرض يجب أن تكون لله وأن تكون هذه المعـونة لا تجعـل الذى تعينه أو تعاونه محتاج للمعين دائما، بل إعانة تغـنيه عن المعونة فيما بعـد متمثلا فى تعليم الشيء للمحتاج
فأعـينونى بقـوة أجعـل بينكم وبينهم ردما :
أراد ذو القرنين لهؤلاء الضعـفاء أن يتعلموا كيف يحمون أنفسهم والمقصود بالقوة هنا قوة الأبدان ... الرجال والآلات والمواد المتاحة لديهم وكان من الممكن أن يحميهم ذو القرنين بما أتاه
الله من الأسباب التى تعـينه على ذلك ولكن طلب منهم أن يساعدوه ... لماذا ؟ حتى إذا غاب عنهم وانتهت مهمته استطاعوا أن يقوموا بهذا العـمل بأنفسهم دون الإستعانة بأحد إلا الله فأراد أن يبين
لهم ذو القرنين أن عـنده الأسباب وعـندهم القوة المتمثلة فى الرجال، وهذا كهف من كهوف الحياة داخل هذا الستر الإيمانى، فإذا كان هناك أناس ظالمون ومفسدون فى الأرض فإنه يجب أن
نكون عـونا لبعضنا فى درأ الظلم والفساد فإذا كانت الإمكانات المادية والآلات موجودة وهى وسائل معينة على أداء العمل فهناك قوة أكبر لا يمكن الإستغـناء عنها هذه القوة هى القوة الذاتية
فى داخل جسم الإنسان وهى الطاقة التى تستمد من من العـقل ومن هنا أراد ذو القرنين أن يقوم بهذه المهمة أمامهم وبهم وفى ذلك حكمة يبينها أن الضعـفاء مهما كان ضعـفهم فإن المُـمَكن يستطيع
أن يجعلهم أقوياء وأن يعـينهم أن ينهضوا بأنفسهم ويزيل عنهم أسباب تخلفهم وضعـفهم شرط أن يكونوا شركاء فى العـمل فإذا اشتركوا فى العـمل واستخدموا عـقولهم فيما ينفع وإذا تعلموا تقدموا
وإذا تقدموا اصبحوا خير الأمم إذن ذو القرنين موجود فى كل زمان ومكان متمثلا فى الحاكم المصلح الذى لا يتكالب على المال وكنز المال... كذلك يأجوج مأجوج موجودون بيننا ولا عجب !!
إنهم المفسدون فى الأرض الذين يعيثون فى الأرض فسادا ويهلكون الحرث والنسل وينهبون الثروات فحسبهم جهنم وبئس المهاد ....
هؤلاء القوم الضعـفاء طلبوا من ذى القرنين أن يبنى لهم سدا لدرأ خطر يأجوج ومأجوج فماذا كان رد ذو القرنين ؟ لم يطاوعهم فى بناء السد كما طلبوا لأن السد جسم فاصل بين شيئين يعـيبه
أنه إذا حدث أى هزة أو رجة لأى سبب من الأسباب تأثرت الناحية الأخرى منه لذلك قال ردما لأن الردم معـناه أن يكون متتابعا، شيئا فوق شيئا هكذا فى لغة العرب كأن نضع ردما من التراب
فوق بعـضه بالتتابع وفائدة الردم بين جدارين أنه ممتصا للصدمات...وسنبين صفة الردم الذى أقامه ذو القرنين وذلك فى قوله تعالى :
( ءاتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطرا ) ـــ 96
قد لا نلتفت كثيرا إلى القوة الكامنة فى داخل جسم الإنسان والتى تنبع من العقل، تلك القوة التى تستطيع أن تفعل بها أشياء كثيرة فى شتى المجالات لو أجاد الإنسان تدريب قوة تفكيره لفتح أمامه
أبوبا كثيرة من الرزق ولكن للأسف يُبقى هذه القوة كسولة ولا ينميها ولنرى ماذا فعل ذو القرنين مع هؤلاء القوم الضعـفـاء ؟
قال هؤلاء الضعفاء لذى القرنين (......فهل نجعـل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سـدا ) أمرهم بأن يساعدوه بما عندهم من الرجال (....فأعـينونى بقـوة ) ورغم أن ذو القرنين عنده جيشه
إلا أنه لم يستعـن به وإنما استعان بهؤلاء الضعـفاء وهنا حسن إدارة الموقف ولنتأمل هذه الأوامر من ذى القرنين لهؤلاء الضعفاء....
أعينـونى بقوة ــــ أتونـى زبر الحـديد ــــ قال انفخـوا ــــ أتونـى أفرغ عليه قطـرا
إنـه طلب منهم أن يأتوا بالرجال وأن يأتوا بالحـديد ثم كانت هناك ورشة عـمل حقيقية أصحابها هؤلاء الضعفاء ...لديهم الرجال ولديهم الآلات والخامات اللازمة ولأفران اللازمة لصهر الحديد
ولا عجب فالقرآن صرح بذلك صراحة : ءاتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطر وإلا من أين أتى بالحديد والنحاس ؟ هذه الخامات
كانت موجودة عند هؤلاء القوم ولكن عـدم تفكيرهم فى إستغلالهم أدى لضعفهم لأن كل همهم وتفكيرهم ما يلاقونه من يأجوج ومأجوج... نهب وقتل وهلاك الحرث ومن هنا أراد ذو القرنين أن يعلمهم
كيف يبنون السد وإقامته بأنفسهم بالامكانات التى يملكونها بأن أشركهم فى بناء السد وإقامته فكانت مهمة ذو القرنين إعانتهم بالخبرة والعلم أو بتفكيرنا العصرى " مشرف " وهـذه منظومة إدارية
ناجحة كيف يستغل هؤلاء الرجال ويوزعهم فى العمل ويحولهم من مجتمع الضعـف إلى مجتمع القـوة ... مجتمع يعتمد على نفسه وعلى سواعد أبنائه وحتى يكسبهم الثقة بأنفسهم بأنهم ليسوا
ضعـفاء، وهذه هى مهمة الحاكم المُـمَكن فى الأرض ان يقوى شعبه ويجعله قادرا على حماية نفسه من العدوان وهذا كهف أخر من كهوف مستورة فى تلك السورة العظيمة
ءاتونى زُبـَرَ الحـديد : قطع الحديد الكبيرة وأصل الكلمة الإجتماع ...أى كتل الحديد إذا اجتمعت
حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا : الصدف معناه الجانب أى أنه ساوى بين الحائطين الأمامى والخلفى بالجبلين ولفظ " انـفخـوا " يتطلب قوة مادية من آلات طرق وخامات حرق وصهر
الحديدوآلات نفخ لزيادة قوة النار اللازمة لصهر الحديد والبواتق التى تحمل الحديد المصهور فكان لا بد أن يوجد فرن لصهر الحديد
حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطر : قام ذو القرنين بتركيم الحديد ( إجتماع الشيء وتراكم بعضه فوق بعض ) ثم أمرهم بأن يكثفوا المنافخ ليتحول الكير إلى نار متأججة حتى سال الحديد
وانصهر ليصير كتلة جبارة منصهرة تصب على جسم السد بحيث لا يسمح بخرقه من أى جانب ثم أمرهم أن يأتوا بالنحاس ( القطر ) ليفرغه على الحديد المنصهر وهو فى مرحلة إنصهاره
وكانت النتيجة من بناء ردم ذى القرنين إغلاق الفتحة الوحيدة التى كانت يأتى منها يأجوج ومأجوج... وإن كانت لنا وقفة فى لفظ " قطرا " لأن بعض الأخوة قالوا إن القطر هو مادة البيوتومين
لأن النحاس ذكر صراحة فى القرآن الكريم " يُرسل عليكما شواظ من نار ونحاس .... " وذكر مرة واحدة فى سورة الرحمن ونرجع إلى قوله تعالى " ولقد ءاتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى
معه والطير وألنا له الحديد " ــ10 سورة سبأ وفى ذات السورة " ولسليمان الريح ......... وأسلنا له عين القطر ..." ومن هنا فإن قوله تعالى " أفرغ عليه قطرا " هو النحاس المذاب والله
تعالى أعلم بمراد آياته وهذه الآية ألهمت مهندسة مصرية بإكتشاف مادة بناء مقاومة للزلازل وحصلت بموجبه على وسام الإستحقاق ضمن عشرة علماء على مستوى العالم والإختراع الذى
توصلت إليه المهندسة الدكتورة ليلى عبد المنعميتمثل فى تكوين خرسانة مسلحة من مادة البيوتومين وهى إحدى منتجات البترول مضافا إليه الحديد المنصهر مع الأسفلت فتوصلت إلى خلطة
شديدة التماسك لها القدرة على مقاومة الزلازل...هـذا السد الذى بناه ذو القرنين حال بين يأجوج ومأجوج والقوم المستضعفين حقق الهدف المطلوب وهو المتانة والقوة بحسث لا يستطيعون
أن يحدثوا به ثقبا من الممكن أن ينفذوا منه وبالتالى لا يستطيعون أن يتسلقوه وينزلوا من فوقه
( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) ـــ 97
عندما صب ذو القرنين القِطر على الردم لم تستطع قبائل يأجوج ومأجوج أن يتسلقوه ( يظهروه ) لشدة نعومة سطحه ولم يستطيعوا له خرقا ( نقبا ) لأن الردم تحجر فى قطعة واحدة من جانبين
مع تسليحهم بالحديد وعليه فقد تم حبسهم تحت القشرة الأرضية إلى أن يأذن الله بخروجهم مع إقتراب الساعة
( قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعـد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا ) ـــ 98
القائل هنا ذو القرنين والجمال هنا أنه بدأ هذا العمل بذكر الله ورد التمكن لله ( ما مكنى فيه ربى خير ) وانهى هذا العمل بذكر الله فقال ( هذا رحمة من ربى .. ) فكانت الغاية من بناء الردم
حدوث رحمة من الله ليس على القوم الضعفاء بل على البشرية كلها وذلك بعزل يأجوج ومأجوج وفسادهم عن البشرية جمعاء حتى يأذن الله لهم بالخروج فإذا جاء وقت خروجهم على الناس
لا يتأخرون عن ذلك والله تعالى أعلم بهذا الموعد...
وقبل الختام عـن تلك الخواطر يجب أن نعلم أن هذه السورة ما زالت توارى كهوفا وهو ما يجعلنا أن نعرف أن كل الحقائق فى هذه السورة الشريفة كانت بفعل الله وأنه لا شيء يتم إلا بإرادة
الله ومن هنا فإن الإنسان يجب أن يرجع كل شيء إلى الله وليعلم أن الذى يملك عناصر فعل المستقبل هـو الله سبحانه وتعالى وألا يغتر بنفسه لأن الغرور بداية عبادة النفس، وبداية عبادة
أولى درجات البعـد عن الله وليعلم أن ظواهر الأشياء ليس حقيقتها " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا سيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
وصلى الله على سيدنا محمد شافى الصدور بأسرار بالقرآن من خصه الله بالحكمة والبيان وجعل دينه خير الأديـــان
أعـوذ بالله من الشيطان الرجـيم بسم الله الرحمن الرحـيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعـوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعـين وبعـد :
فى الكهف الأخير والحلقة الأخيرة من قصة ذى القرنين هذا الذى مكنه الله بالأسباب والعلم والقوة ليقيم ميزان العـدل وبعـد أن ترك ذو القرنين مغرب الشمس فى ظاهرة
من التناسق الفنى البديع فإن المشهد الذى يعرضه السياق القرآنى هو مشهد مكشوف فى الطبيعة والشمس فى وقت غروبها وحين طلوعها والذى بيناه فى غروب الشمس
ينطبق على طلوع الشمس فالشمس دائما غاربة كما أنها دائما شارقة، فذو القرنين كما وصل إالى مغرب الشمس وطاف بين أهلها وتمكن منهم ليقيم ميزان العدل بتفويض
من الله تعالى ( .... قلنا ياذا القرنين إما أن تعـذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) ولا تسل عن الطريقة التى وصل بها ذو القرنين إالى هذه المناطق، فعندما يُمكن الله أحدا من
خلقه يعـطيه كل الأسباب التى تمكنه من الوصول إلى هدفه .... واعلم أن الحياة سِـر مغلق مهما ارتقى العـقل البشرى وتقدم العلم، ذلك أن الله خلق الكون ووضع لكل شيء
قانونا يناسبه فالإنسان كبشر لـه قانونه الذى يتـناسب مع قدرته، ولكن حين يعـطى الله علماً لمن شاء من عـباده فلا يصح أن نسأل عن قانون المسافة أو الزمن أو المكان
لا يمكن أن نضع نحن البشر بمقاييس الزمان والمكان، لأن الله منزه عن المكان والزمان لا نستطيع أن نقول كم من الزمن استغرق ذو القرنين لمطلع الشمس ؟ وما هى وسيلة
المواصلات التى ارتادها سائحا فى مشارق الأرض ومغاربها وجيوشه يعـبر بحارا وسهولا وجبالا ومن هم هؤلاء القوم، إن المتأمل فى أحداث زمانه وما يحيط به غـموض
يجعلنا نجتهد أكثر فى تدبر آيات القرآن " ... حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم " فعلى المسلم الذى يشكل عليه فهم آية من القرآن أن يدعوا الله أن يمن عليه ما خفى عليه
من القرآن ويثق بأن الله تعالى سيفتح عليه، مع السعى إلى أهل العلم والمعرفة الراسخين والمتفقين فى آرائهم وأقوالهم إلى جانب الإطلاع على ما كتبه أئمة التفسير من السلف
الصالح رضى الله تعالى عنهم أجمعـين، وعليه أن يكف عن الخوض فى معانى القرآن الكريم بدون سند علمى وعلى هذا أشار أمير المؤمنين الإمام على رضى الله تعالى عـنه :
" من تبينت لـه الحكمة عرف العـبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان فى الأولين " ومع الآية الكريمة :
( ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مَطـلِع الشمس وجدها تطـلُع على قوم لم نجعـل لهم من دونها سـترا ) ـــ 89 / 90
أتبع سلك طريقا ومنازل.... حتى إذا بلغ مَطلِع الشمس :
هناك لفظين فى القرآن الكريم : مطلِـع ومطلَـع " وردت كلمة مَـطـلِـع في سورة الكهف في قوله تعالى عن ذي القرنين(حتى إذا بلغ مطلِـع الشمس... )ووردت بفتح اللام في سورة القـدر في قوله تعالى : (سلام هي حتى مَـطـلَـع الفجـر )
أما الأولى مطلِـع الشمس بكسر اللام فهي إشارة إلى المكان الذي تطلع منه الشمس والدليل ما بعـد اللفظ حيث قال : " وجدها تطلع على قوم .... " أى في ذلك المكان
وأما الثانية مطلَـع بفتح اللام فهى إشارة إلى وقت طلوع الشمس وهو الشروق .... سلام هي "أي ليلة القدر"حتى مطلع الفجر أي حتى وقت طلوع الفجر، والله تعالى أعلم بمراد آياته
كانت مهمة ذو القرنين عند مغرب الشمس إقامة ميزان العـدل بين القوم فمنهم من آمن ومنهم من صد عن دعـوته،وها هـو وقد بلغ مطلع الشمس فكان هناك قوما ونلاحظ أن القرآن لم
لم يذكر شيئا عن هؤلاء القوم وماذا فعل ذو القرنين معهم... فعـند مغرب الشمس كان هناك قوما منهم المحسن ومنهم المسيء وكانت مهمة ذو القرنين معهم وبتفويض من الله تعالى
إقامة ميزان العـدل بين الحق والباطل فالمحسن يعـطيه جزاء إحسانه والمسيء يعاقب فى الدنيا ثم يرد إلى بارئه فيعـذبه نكرا ...وكان ذلك فى مناطق المستنقعات المائية الموحلة بالطين
وهى ظاهرة من أجمل الظواهر الطبيعية التى تشكل لوحة إلهية رائعة فى غروب الشمس عـندها ولم تكن هـذه المناطق معروفة للنبى الكريم ولا لقومه لأنه كان يعيش فى بيئة صحراوية بادية
وسكان البادية فى ذلك الوقت لم يكن لديهم أدنى تصور عن هذه المناطق....
وجدها تطـلُع على قوم لم نجعـل لهم من دونها سـترا ) :
ولنفهم ما هو الستر ؟ الستر هو الحاجز بين شيئين أيا كان هذين الشيئين والشيء الذى عـندنا أشعة الشمس وأشعة الشمس تنقسم لجزأين أساسين الضوء والحرارة ... إذن وظيفة الستر
حجز ضوء الشمس وحجز حرراتها ....إذن ذو القرنين ذهب إلى قوم ليس عندهـم ما يسترهم من ضـوء الشمس وحرارتها مثل البيوت أو الأشجار ليستظلوا بها، ضـوء الشمس ينفذ
خلال أى شيء حتى فى الأماكن الموجودة تحت الأرض تجد ظلمة المكان بالنهار مختلفة عن الليل...إذن الشيء الذى يستر ضـوء الشمس والحرارة معا، سترا تاما هـو الليل أو الظلام الدامس
ففى الظلام لا يوجـد لأشعة الشمس أى وجـود، بل تكون مستورة تماما... وافهم الآية بتدبر " لـم يجعل لهم من دونها سترا "
ولنرجع إلى ما قاله الإمام القرطبى : فى تفسيره " الجامع لأحكام القرآن الكريم " قال ( ... أى حجابا يستترون منها عند طلوعها ) هكذا كان الإدراك فى وقت نزول القرآن
ولكن بعد إكتشاف كروية الأرض ونظام تعاقب الليل والنهار... إحدى الحقائق التى لم يكن للعقل البشرى الإستعـداد العلمى ليفهمها وقت نزول القرآن اختلف الكلام... إن ذو القرنين وصل إلى
مناطق فى الأرض لا يتعاقب عليها الليل والنهار كباقى أجزاء الكرة الأرضية والنبى الكريم كان يعـيش فى مناطق يتعاقب عليها الليل والنهار كباقى أجزاء الأرض فأراد الله سبحانه وتعالى
أن يخبرنا أن هناك أماكن لا تخضع لقواعـد تعاقب الليل والنهار وحتى يعلم نبى القرآن بتلك المناطق دون أن يراها إنها مناطق القطب الشمالى المتجمد والقطب الجنوبى المتجمد وكأنها رحلة
مصورة فى القرآن العظيم ولنقرأ ما نقلته عن جريدة الوطن المصرية / العدد 1515 / بتاريخ 12 / 6 / 2016 /الموافق 17 من رمضان 1437
عنوان المقال " ناسا " الإنقلاب الصيفى واكتمال البدر لأول مرة منذ 67 سنة ......
" ظاهرة فلكية نادرة الحدوث شهدتها ليلة أمس، بعدما اقترن إكتمال البدر بـــ " الإنقلاب الصيفى " حيث بلغ طول النهار أقصاه فى نصف الكرة الشمالى معلنا بداية شهر الصيف وهما
حدثان أعلنت وكالة الفضـاء الأمريكية " ناســا " أنهما لم يحدثا منذ 67 عاما، حركة الشمس الظاهرية استمرت فى الإتجاه تدريجيا نحو شمال خط الإستواء وتواصل معها ميل أشعتها فازداد
طول النهار ونقص طول الليل هكذا وصفها الدكتور محمد غريب رئيس قسم علوم الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية موضحا أنها تأتى بعد الإعتدال الربيعى ، الأماكن الواقعة فى
المنطقة المتجمدة الشمالية خط عرض " 33 ــــ 66 فأكثر شمالا " لم تشهد أمس غروبا للشمس وهو ما يعرف بــ شمس منتصف الليل ، حيث يظل النهار لمدة 24 ساعة وفى الوقت نفسه
لا تشرق الشمس بالنسبة للأماكن الواقعة فى المنطقة المتجمدة الجنوبية خط عرض " 33 ـــ 66 فأكثر جنوبا " فيسود الليل لمدة 24 ساعة وهو ما يحدث عكسه أثناء " الإنقلاب الشتوى "
نصف الكرة الجنوبى يشهد العكس تماما بحيث تغيب الشمس لمدة 24 ساعة طيلة 6 شهور يليها ظهـور الشمس لمدة 6 شهور متتالية " ..... عذرا علماء الغرب عذرا لكل علماء الفلك
فلقد سبقكم القرآن فى هذا العلم منذ أكثر من 1400 عاما
وكأن الله تعالى يريد أن يخبرنا أن هناك مناطق فى الأرض لا تخضع لقواعد تعاقب الليل والنهار كباقى أجزاء الكرة الأرضية " وشهد شاهد من أهلها " ... حقا وصدقا وعدلا :
( ... لم نجعل لهم من دونها سترا ) وهذا إعجاز من القرآن العظيم ...علما بأن هذه المناطق قليلة السكان ولا توجد مستوطنات بشرية دائمة ولكن نظام بيئي معين صعب المعيشة
بسبب صعوبة تطوير وسائل المواصلات لكثافة الثلوج والكتل الثلجية والتى يصل سمها أحيانا إلى 5 كيلومترات...
( كذلك وقد أحـطنا بما لديه خُـبرا ) ـــ 91
ما عـنده من عظمة المُـلك والجند والقـوة وهنا لا يحيط بأمر ذى القرنين إلا صاحب الأمـر، علام الغيوب والخُــبر بضم الخاء وسكون الباء العلم والإحاطة وهى كناية عن المعلوم عـظيما
بحيث لا يحيط بـه إلا علام الغيوب.....
( ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ) ـــ 92 / 93
البين تقتضـى الفرقة بين شيئين والسد حاجز بين شيئين وقد يكون أمرا معـنويا كما فى قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغـيان ) فالبرزخ هنا معنوى
وقد يكون طبيعيا محسوسا كالجبال فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجـوة تحت الجبلان يعيش فيهما قوما لا يعرفون الكلام ولا يفقهون القول أى لا يفهمون الكلام فالذى يفهم الكلام
يقدر على الكلام وهؤلاء القوم لا يكادون ...يكادون من أفعال المقاربة بمعنى قارب ويكاد يكون فى حكم العـدم وكأنه لا أمل فى أن يفهمهم ولا يفهمون ما يقال لهم...
وفى ( يَـفقـهون ) قراءتان : الأولى بفتح الياء القاف " يَـفقَـهون " والثانية بـضم الياء وكسر القاف " يُـفـقِـهون " أى لا يفقهون غيرهم كلاما ولا يعلمون من غيرهم والقراءتان صحيحتان....
ومادة فـقه : فهم ما يحتاج إلى إعمال فكرللتوصل إلى علم غائب بعلم شاهد...
( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض فهل نجعـل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سـدا ) ـــ94
الآيـة فيها تدبر وتأمل عميق !! لماذا ؟ لأن هؤلاء القوم لا يفهمون القول ولا يفهمون من غيرهم ولكنهم متفاهمين فيما بينهم والدليل (..قالوا ..) فكيف تفاهم معهم ذو القرنين وبأى لغـة خاطبهم ؟
ولنأخذ احتمال : إذا كانوا يتكلمون بلغة غير لغة ذى القرنين !! وهو إحتمال ضعيف لأن الله أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا
كيف خاطبوا ذا القرنين بأسمه الذى خاطبه به الله فى الوقت الذى لم يخاطبه بهذا الإسم أى من الأمم التى مر عليها ذو القرنين فى رحلاته ؟
الله سبحانه وتعالى وصف كلامهم مع ذى القرنين بصيغة الجمع مما يدل على إتحاد كلمتهم وإتحاد كلمتهم يدل على أنهم متفاهمين فيما بينهم .....
من المحتمل أنهم لا يستطيعـون تمييز الكلام والذى لا يستطيع تمييز الكلام لا يقدر على الكلام وهو إحتمال أقرب إلى الصواب، فإذا كان ذلك الإحتمال صوابا فكيف تعامل معهم ذو القرنين ؟
وكيف استطاع أن يتفاهم معهم ويجعلهم يوصلون شكواهم لذى القرنين بهذا الكم من الكلام ؟ !!
من المحتمل أن ذا القرنين تعامل معهم بلغة الإشارة واستطاع أن يجعل من حركات شفاهم وأيديهم كلاما يفهمه وينفذ ما يريدون وهى لغة الصم والبكم فى عصرنا هذا وإن كانت أخذت
منه وقتا وجهدا وصبرا وكان فى وسعه أن ينصرف لأنهم لا يفهمون القول !! ( قالوا ... ) المراد بالقول هنا الدلالة المعبرة تعـبير القول كأن يشيرون بأيديهم إلى شيء معين فهمه ذو القرنين
وعلى هذا لا بد أن ذوالقرنين تعارف على أشياء فهمها منهم فهم القول .... هذا والله أعلم
يأجــــــوج ومأجـــــوج :
يأجوج ومأجوج من بنى آدم ثم من بنى يافث ابن نوح ... وقد رويت أحاديث كثيرة فى شأنهم نذكر منها ما جاء فى صحيح البخارى / ج 9 / كتاب الفتن / ص / 60
" ..... عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضى الله عنهن أنها قالت : استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة، وفى رواية مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قيل أنهلك وفينا الصالحون ؟ نعم إذا كثر الخبث
وقال بعض العلماء : " أن يافث أبو الترك وسمى هؤلاء تركا لأنهم تركوا ما وراء السد من هذه الجهة وإلا فهم أقرباء أولئك وكن كانوا فى أولئك بغى وفساد وجرأة وقد ذكروا أثرا
طويلا فى صفاتهم وطولهم وقصر بعضهم ولآذانهم وروى فى ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها والله أعلم " وقد اطلعت على مجموعة من المراجع بشأن يأجوج ومأجوج ووجدت أنها تأخذ
جدلا فى غيبيات لا نعلم عنها شيئا وتخرج عن السياق وعن الهدف لأنها مسألة غيبية والله سبحانه وتعالى أعطانا العقل نعـمة، لا نضيع هذه النعـمة فى الجدل عن غيبيات لا نعلم عنها شيئا
كل ما نعرفه عنهم أنهم خلق من خلق الله مفسدون فى الأرض ويهلكون الحرث والنسل وسيخرجون أخر الزمان حين يأذن الله لهم بالخروج... فى أى جهة محبوسون الله أعلم !!
( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) ـــ 96 الأنبياء وورد فى أوصافهم أقوال كثيرة وأشياء غريبة نعرض عن ذكرها لعـدم مطابقة بعـضه البعـض....
إن يأجوج ومأجوج موجودون حتى الآن ( .... فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعـد ربى جعله دكاء وكان وعـد ربى حقا )
إذن هم موجودون !! ولكنهم لا يستطيعـون الخروج فهم محبوسون تحت القشرة الأرضية حتى يأتى أمر الله بالخروج... فهم موجودون حتى وقتنا هذا !! أين ...؟ الله أعلم بمحبسهم
وقد يسأل البعـض الم تتمكن الأقمار الصناعية والوسائل العلمية الحديثة التى تصور على أعـماق آلاف الأمتار كفيلة بكشف مكان وجودهم ؟؟ نقول هذا عـبث لأن العلم الأرضى مهما ارتقى
فهـو علم محدود خاضع لعلام الغيوب وبالتالى وجودهـم يدخل فى حكم علم الغـيب ومثل ذلك كالدابة التى ستخرج من الأرض أخر الزمان مع إقتراب الساعة وتكلم الناس :
( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بأياتنا لا يوقنون ) ـــ 82 سورة النمل
واعلم أن سورة الكهف سميت بالكهف لأنها توارى كهوف عديدة داخل هذا الكهف وإلا لكنا عرفنا زمن أصحاب الكهف ومكانهم !! لكنا عرفنا زمن العبد الصالح ومكانه !! لكنا عرفنا من هـو
ذو القرنين ؟ أهو مَلك أم نبى أم عـبد ؟ ومتى كان زمانه وزمن الأحداث الثلاثة مغرب الشمس ومطلع الشمس والقوم الذين لا يفقهون شيئا ؟ لقد شاءت إرادة الله أن تخفى كل ذلك لأن الحكمة
تقتضى ذلك ولم يطلب منا الله تبارك وتعالى أن نبحث فى ذلك بل طلب منا أن نأخذ العـبرة والحكمة من هذه الأحداث فهو يقول لنا فى هذه القصة أن يأجوج ومأجوج موجودون فى كل زمان وفى
أى مكان ووصفهم ينطبق على كل فاسد ومفسد وكل عات فى الأرض ,ان ذو القرنين موجود فى كل زمان وأى مكان متمثلا فى الرجل الصالح المؤمن المصلح فى الأرض، والذى لا يتكالب على
المال... ولا يعمل من أجل جمع المال، ويعمل على درأ الظلم عن المظلومين والوقوف بجانب الضعـفاء....
قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض...
( قالوا... ) بما أن هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون قولا فهذا اللفظ ( قالوا ... ) إنما دلالة معـبرة تعبير القول، كان أول ما فهمه ذو القرنين من هؤلاء القوم أنهم أهل ضعـف ويطلبون حمايتهم
من جبروت وفساد يأجوج ومأجوج وأنهم مستعـدون أن يدفعـوا مبلغ من المال لذى القرنين مقابل أن يحميهم من هؤلاء الجبارين الذين كانوا يأتون إليهم من ممر بين السدين فيقتلون أولادهم
ويأخذوا زروعهم إلى أخر وجوه الإفساد وهؤلاء المستضعـفين لم تمكنهم عقولهم أن يجدوا طريقة يحموا بها أنفسهم ولا يملكون من العلم ما يمكنهم من مجابهة هؤلاء العتاة المفسدين فوجدوا
فى ذى القرنين العـدل والقوة والعلم والصلاح مما جعلهم يستـنجدون به... فماذا كان رد ذو القرنين ؟
( قال ما مكـنى فيه ربى خير فأعـينونى بقـوة أجعـل بينكم وبينهم ردما ) ـــ95
قال ما مكـنى فيه ربى خير :
القول هنا لذو القرنين والدال بالإشارة والذى فهمه ذو القرنين أن هناك ثـغرة يتسلل منها يأجوج ومأجوج فكان لا بد أولا البحث من أين يأتى الشر وعندما عرف أنه يأتيهم من ممر بين جبلين
قرر أن يقوم بحماية هؤلاء القوم المستطعفين ببناء سد يمنع عنهم هجوم يأجوج مأجوج فأفهمهم ذو القرنين أن له ربا أتاه من الأسباب ما يمنع عنهم شر يأجوج ومأجوج... وهذا فى حد ذاته
تأييد من الله لذى القرنين فقال لهم أن ما يقوم به من حماية أهل الضعـف هو عمل خير ينتظر جزاءه من ربه وأن هذا العـمل خير من المال الذى يعرضونه... بل من مال الأرض كله وهذا دليل
على أن الرجل الصالح المؤمن لا يتكالب على المال ولا يعمل من أجل جمع المال بل يعلم يقينا أن الخير الذى يعمله فى الدنيا هو الباقى والنافع فى الأخرة، يوم لا ينفع مال، وذو القرنين رد حالة
التمكن المطلقة لله عز وجل لأن الله هو الذى مكنه ( .... إنا مكنا له فى الأرض ... )، فكان لابد أن يرد التمكن لله فقال ( ما مكنى فيه ربى .... )
فأعـينونى : معونة الممكن فى الأرض يجب أن تكون لله وأن تكون هذه المعـونة لا تجعـل الذى تعينه أو تعاونه محتاج للمعين دائما، بل إعانة تغـنيه عن المعونة فيما بعـد متمثلا فى تعليم الشيء للمحتاج
فأعـينونى بقـوة أجعـل بينكم وبينهم ردما :
أراد ذو القرنين لهؤلاء الضعـفاء أن يتعلموا كيف يحمون أنفسهم والمقصود بالقوة هنا قوة الأبدان ... الرجال والآلات والمواد المتاحة لديهم وكان من الممكن أن يحميهم ذو القرنين بما أتاه
الله من الأسباب التى تعـينه على ذلك ولكن طلب منهم أن يساعدوه ... لماذا ؟ حتى إذا غاب عنهم وانتهت مهمته استطاعوا أن يقوموا بهذا العـمل بأنفسهم دون الإستعانة بأحد إلا الله فأراد أن يبين
لهم ذو القرنين أن عـنده الأسباب وعـندهم القوة المتمثلة فى الرجال، وهذا كهف من كهوف الحياة داخل هذا الستر الإيمانى، فإذا كان هناك أناس ظالمون ومفسدون فى الأرض فإنه يجب أن
نكون عـونا لبعضنا فى درأ الظلم والفساد فإذا كانت الإمكانات المادية والآلات موجودة وهى وسائل معينة على أداء العمل فهناك قوة أكبر لا يمكن الإستغـناء عنها هذه القوة هى القوة الذاتية
فى داخل جسم الإنسان وهى الطاقة التى تستمد من من العـقل ومن هنا أراد ذو القرنين أن يقوم بهذه المهمة أمامهم وبهم وفى ذلك حكمة يبينها أن الضعـفاء مهما كان ضعـفهم فإن المُـمَكن يستطيع
أن يجعلهم أقوياء وأن يعـينهم أن ينهضوا بأنفسهم ويزيل عنهم أسباب تخلفهم وضعـفهم شرط أن يكونوا شركاء فى العـمل فإذا اشتركوا فى العـمل واستخدموا عـقولهم فيما ينفع وإذا تعلموا تقدموا
وإذا تقدموا اصبحوا خير الأمم إذن ذو القرنين موجود فى كل زمان ومكان متمثلا فى الحاكم المصلح الذى لا يتكالب على المال وكنز المال... كذلك يأجوج مأجوج موجودون بيننا ولا عجب !!
إنهم المفسدون فى الأرض الذين يعيثون فى الأرض فسادا ويهلكون الحرث والنسل وينهبون الثروات فحسبهم جهنم وبئس المهاد ....
هؤلاء القوم الضعـفاء طلبوا من ذى القرنين أن يبنى لهم سدا لدرأ خطر يأجوج ومأجوج فماذا كان رد ذو القرنين ؟ لم يطاوعهم فى بناء السد كما طلبوا لأن السد جسم فاصل بين شيئين يعـيبه
أنه إذا حدث أى هزة أو رجة لأى سبب من الأسباب تأثرت الناحية الأخرى منه لذلك قال ردما لأن الردم معـناه أن يكون متتابعا، شيئا فوق شيئا هكذا فى لغة العرب كأن نضع ردما من التراب
فوق بعـضه بالتتابع وفائدة الردم بين جدارين أنه ممتصا للصدمات...وسنبين صفة الردم الذى أقامه ذو القرنين وذلك فى قوله تعالى :
( ءاتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطرا ) ـــ 96
قد لا نلتفت كثيرا إلى القوة الكامنة فى داخل جسم الإنسان والتى تنبع من العقل، تلك القوة التى تستطيع أن تفعل بها أشياء كثيرة فى شتى المجالات لو أجاد الإنسان تدريب قوة تفكيره لفتح أمامه
أبوبا كثيرة من الرزق ولكن للأسف يُبقى هذه القوة كسولة ولا ينميها ولنرى ماذا فعل ذو القرنين مع هؤلاء القوم الضعـفـاء ؟
قال هؤلاء الضعفاء لذى القرنين (......فهل نجعـل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سـدا ) أمرهم بأن يساعدوه بما عندهم من الرجال (....فأعـينونى بقـوة ) ورغم أن ذو القرنين عنده جيشه
إلا أنه لم يستعـن به وإنما استعان بهؤلاء الضعـفاء وهنا حسن إدارة الموقف ولنتأمل هذه الأوامر من ذى القرنين لهؤلاء الضعفاء....
أعينـونى بقوة ــــ أتونـى زبر الحـديد ــــ قال انفخـوا ــــ أتونـى أفرغ عليه قطـرا
إنـه طلب منهم أن يأتوا بالرجال وأن يأتوا بالحـديد ثم كانت هناك ورشة عـمل حقيقية أصحابها هؤلاء الضعفاء ...لديهم الرجال ولديهم الآلات والخامات اللازمة ولأفران اللازمة لصهر الحديد
ولا عجب فالقرآن صرح بذلك صراحة : ءاتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطر وإلا من أين أتى بالحديد والنحاس ؟ هذه الخامات
كانت موجودة عند هؤلاء القوم ولكن عـدم تفكيرهم فى إستغلالهم أدى لضعفهم لأن كل همهم وتفكيرهم ما يلاقونه من يأجوج ومأجوج... نهب وقتل وهلاك الحرث ومن هنا أراد ذو القرنين أن يعلمهم
كيف يبنون السد وإقامته بأنفسهم بالامكانات التى يملكونها بأن أشركهم فى بناء السد وإقامته فكانت مهمة ذو القرنين إعانتهم بالخبرة والعلم أو بتفكيرنا العصرى " مشرف " وهـذه منظومة إدارية
ناجحة كيف يستغل هؤلاء الرجال ويوزعهم فى العمل ويحولهم من مجتمع الضعـف إلى مجتمع القـوة ... مجتمع يعتمد على نفسه وعلى سواعد أبنائه وحتى يكسبهم الثقة بأنفسهم بأنهم ليسوا
ضعـفاء، وهذه هى مهمة الحاكم المُـمَكن فى الأرض ان يقوى شعبه ويجعله قادرا على حماية نفسه من العدوان وهذا كهف أخر من كهوف مستورة فى تلك السورة العظيمة
ءاتونى زُبـَرَ الحـديد : قطع الحديد الكبيرة وأصل الكلمة الإجتماع ...أى كتل الحديد إذا اجتمعت
حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخـوا : الصدف معناه الجانب أى أنه ساوى بين الحائطين الأمامى والخلفى بالجبلين ولفظ " انـفخـوا " يتطلب قوة مادية من آلات طرق وخامات حرق وصهر
الحديدوآلات نفخ لزيادة قوة النار اللازمة لصهر الحديد والبواتق التى تحمل الحديد المصهور فكان لا بد أن يوجد فرن لصهر الحديد
حتى إذا جعله نارا قال أتونى أفرغ عليه قطر : قام ذو القرنين بتركيم الحديد ( إجتماع الشيء وتراكم بعضه فوق بعض ) ثم أمرهم بأن يكثفوا المنافخ ليتحول الكير إلى نار متأججة حتى سال الحديد
وانصهر ليصير كتلة جبارة منصهرة تصب على جسم السد بحيث لا يسمح بخرقه من أى جانب ثم أمرهم أن يأتوا بالنحاس ( القطر ) ليفرغه على الحديد المنصهر وهو فى مرحلة إنصهاره
وكانت النتيجة من بناء ردم ذى القرنين إغلاق الفتحة الوحيدة التى كانت يأتى منها يأجوج ومأجوج... وإن كانت لنا وقفة فى لفظ " قطرا " لأن بعض الأخوة قالوا إن القطر هو مادة البيوتومين
لأن النحاس ذكر صراحة فى القرآن الكريم " يُرسل عليكما شواظ من نار ونحاس .... " وذكر مرة واحدة فى سورة الرحمن ونرجع إلى قوله تعالى " ولقد ءاتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى
معه والطير وألنا له الحديد " ــ10 سورة سبأ وفى ذات السورة " ولسليمان الريح ......... وأسلنا له عين القطر ..." ومن هنا فإن قوله تعالى " أفرغ عليه قطرا " هو النحاس المذاب والله
تعالى أعلم بمراد آياته وهذه الآية ألهمت مهندسة مصرية بإكتشاف مادة بناء مقاومة للزلازل وحصلت بموجبه على وسام الإستحقاق ضمن عشرة علماء على مستوى العالم والإختراع الذى
توصلت إليه المهندسة الدكتورة ليلى عبد المنعميتمثل فى تكوين خرسانة مسلحة من مادة البيوتومين وهى إحدى منتجات البترول مضافا إليه الحديد المنصهر مع الأسفلت فتوصلت إلى خلطة
شديدة التماسك لها القدرة على مقاومة الزلازل...هـذا السد الذى بناه ذو القرنين حال بين يأجوج ومأجوج والقوم المستضعفين حقق الهدف المطلوب وهو المتانة والقوة بحسث لا يستطيعون
أن يحدثوا به ثقبا من الممكن أن ينفذوا منه وبالتالى لا يستطيعون أن يتسلقوه وينزلوا من فوقه
( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) ـــ 97
عندما صب ذو القرنين القِطر على الردم لم تستطع قبائل يأجوج ومأجوج أن يتسلقوه ( يظهروه ) لشدة نعومة سطحه ولم يستطيعوا له خرقا ( نقبا ) لأن الردم تحجر فى قطعة واحدة من جانبين
مع تسليحهم بالحديد وعليه فقد تم حبسهم تحت القشرة الأرضية إلى أن يأذن الله بخروجهم مع إقتراب الساعة
( قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعـد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا ) ـــ 98
القائل هنا ذو القرنين والجمال هنا أنه بدأ هذا العمل بذكر الله ورد التمكن لله ( ما مكنى فيه ربى خير ) وانهى هذا العمل بذكر الله فقال ( هذا رحمة من ربى .. ) فكانت الغاية من بناء الردم
حدوث رحمة من الله ليس على القوم الضعفاء بل على البشرية كلها وذلك بعزل يأجوج ومأجوج وفسادهم عن البشرية جمعاء حتى يأذن الله لهم بالخروج فإذا جاء وقت خروجهم على الناس
لا يتأخرون عن ذلك والله تعالى أعلم بهذا الموعد...
وقبل الختام عـن تلك الخواطر يجب أن نعلم أن هذه السورة ما زالت توارى كهوفا وهو ما يجعلنا أن نعرف أن كل الحقائق فى هذه السورة الشريفة كانت بفعل الله وأنه لا شيء يتم إلا بإرادة
الله ومن هنا فإن الإنسان يجب أن يرجع كل شيء إلى الله وليعلم أن الذى يملك عناصر فعل المستقبل هـو الله سبحانه وتعالى وألا يغتر بنفسه لأن الغرور بداية عبادة النفس، وبداية عبادة
أولى درجات البعـد عن الله وليعلم أن ظواهر الأشياء ليس حقيقتها " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا سيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
وصلى الله على سيدنا محمد شافى الصدور بأسرار بالقرآن من خصه الله بالحكمة والبيان وجعل دينه خير الأديـــان