هذه صورة من صور الحساب يوم القيامة بين يدري رب العالمين ، تبين لنا أناسا ممن
يفتح يوم العرض الأكبر على الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأتي به فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : فلان جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قارىء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . رواه مسلم . وصورة أخرى من صور الحساب يوم القيامة : من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : يا رب ، هذا قتلني ، فيقول : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك . فيقول : فإنها لي . ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : أي رب ، إن هذا قتلني . فيقول الله : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان . فيقول : إنها ليست لفلان ، فيبوء بإثمه . أخرجه الترمذي . ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ، ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء . رواه البخاري . قال ابن حجر : وفي الحديث عظم أمر الدم ، فإن البداءة إنما تكون بالأهم ، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة ، وتفويت المصلحة ، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك . اهـ . ولا تعارض بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته . أخرجه أصحاب السنن . فحديث البخاري في حقوق الخلق ، وهذا الحديث في عبادة الخالق . يبين ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند النسائي : أول ما يحاسب العبد عليه صلاته ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء . أيها المسلم : ستسأل في ذلك الموقف عن الصلاة ، فإن صلحت فقد أفلحت ونجحت ، وإن فسدت خبت وخسرت ، فانظر موقع الصلاة من قلبك ، وهل أتممتها أم نقصتها ، وهل لك من تطوع ؟ فإن التطوع يتمم ما نقص من فريضتك ، ثم تؤخذ بقية الأعمال على ذلك . وستسأل عن الزكاة ، فإن كنت بخلت بها فاقرأ قوله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السموات والأرض ، والله بما تعملون خبير . ولا يغب عن ذهنك قوله عز وجل : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون . ومن حديث علي رضي الله عنه عند الطبراني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ، ويعذبهم عذابا أليما . معاشر المسلمين : إن ممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله ، آكل الربا ، قال جل وعلا : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . ومدمن الخمر ، وعاق والديه ، والديوث ، والمنان ، والمسترجلة من النساء . فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث ، الذي يقر في أهله الخبث . وفي حديث آخر : ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى . أخرجهما الإمام أحمد . وعند الطبراني من حديث عمار : ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث ، والرجُلة من النساء ، ومدمن الخمر . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله المتكبرون ، قال عليه الصلاة والسلام : يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة ، في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان . رواه الترمذي . ومن المتكبرين من جر إزاره ، قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه ، والمنفق سلعته يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الغادرون ، فلكل غادر لواء عند استه يوم القيامة . رواه مسلم من حديث أبي سعيد ، رضي الله عنه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء ، فقيل : هذه غدرة فلان بن فلان . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : أصحاب الغلول ، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ومعنى الآية : أن كل من غل يأتي يوم القيامة حاملا ما غله على ظهره أو رقبته ، معذبا بما حمله ، مما يزيد في فضيحته ، ويزيد من هوانه على رؤوس الأشهاد . فليحذر الحكام ، والعمال ، والموظفون ، ومندوبو المشتريات ، ورؤساء المشاريع ، والمديرون ، والمنتدبون ، ومن ولي أمرا من أموال العامة ، فهي بين أيديهم ، فإن رجلا دخل النار ، وقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شملة غلها . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : آكل مال اليتيم ، ومغتصب أرض الغير ، قال جل وعلا : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من أخذ شبرا من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة من سبع ارضين . رواه البخاري . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : العلماء يكتمون علمهم ، من سئل علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . والحكام يحتجبون عن رعاياهم ، قال صلى الله عليه وسلم : من ولي من أمور المسلمين شيئا فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم ، احتجب الله عنه يوم القيامة دون خلته وحاجته وفاقته وفقره . رواه أبو داود والحاكم بإسناد صحيح . وأناس يكذبون في أيمانهم ، وفي رؤاهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم : رجل حلف على سلعته ، لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي ، وهو كاذب . ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، ورجل منع فضل ماء ، فيقول الله يوم القيامة : اليوم أمنعك فضلي ، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك . رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفيه أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : من تحلم بحلم لم يره ، كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه ، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة . والسحرة والمشعوذون ، فالساحر : ماله في الآخرة من خلاق . والسحر أحد السبع الموبقات . والقاذفون للمحصنات الغافلات المؤمنات ، قال تبارك وتعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ، ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعلمون أن الله هو الحق المبين . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الذي يسأل الناس وعنده من الرزق ما يكفيه ، فيسأل تكثرا . قال عليه الصلاة والسلام : من يسأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوما في وجهه , قيل : يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب . رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني . فاتقوا الله عباد الله ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . جعلني الله وإياكم ممن قال فيهم : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . بارك الله لي ولكم ..... الخطبة الثانية : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما أمر ، واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إرضاء له ، وإرغاما لمن جحد به وكفر . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الشافع المشفع يوم المحشر ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر ، وسلم تسليما . أما بعد ،،، فأوصيكم بتقوى الله ، فمن اتقى الله وقاه ، ومن توكل على الله كفاه ، ومن سأل الله أعطاه ، ومن اكتفى به أعزه وأغناه ، ونصره وآواه . واعلموا أن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ن وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ،،، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ، ثم اعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم ، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم ، وقدموا عذركم ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . أيها المسلمون : في ذلك اليوم العصيب يأمن أناس فلا يخافون ، ويهنأ أناس فلا يحزنون ، منهم سبعة يظلهم الله في ظله ، وأناس تحابوا في جلال الله ، وأناس مشوا إلى الصلاة في دياجير الظلمات ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وأناس كانوا إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت
عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . كانوا يسبحون الله بالغدو والآصال ، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها . رواه أبو داود . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله : أهل الصدقات ، وأهل الصبر ، والقنوت ، والشهداء ، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار . ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، العلماء الربانيون ، والدعاة المخلصون قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . وقال جل وعلا : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله من أنظر معسرا ، قال جل وعلا : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وقال صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . رواه أحمد . وعند مسلم : من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله المصلحون بين الناس ، قال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما . وقال عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين . معاشر المسلمين : من أحق الناس بالأمن يوم العرض الأكبر على الله ، من أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام من صلى علي حين يصبح عشرا ، وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة . رواه الطبراني . وقال عليه الصلاة والسلام : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات . رواه النسائي والحاكم . وأحمد دون رفع له عشر درجات . وعند الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ، هذا ، وقد قال الله تبارك وتعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
يفتح يوم العرض الأكبر على الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأتي به فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : فلان جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قارىء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . رواه مسلم . وصورة أخرى من صور الحساب يوم القيامة : من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : يا رب ، هذا قتلني ، فيقول : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك . فيقول : فإنها لي . ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : أي رب ، إن هذا قتلني . فيقول الله : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان . فيقول : إنها ليست لفلان ، فيبوء بإثمه . أخرجه الترمذي . ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ، ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء . رواه البخاري . قال ابن حجر : وفي الحديث عظم أمر الدم ، فإن البداءة إنما تكون بالأهم ، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة ، وتفويت المصلحة ، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك . اهـ . ولا تعارض بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته . أخرجه أصحاب السنن . فحديث البخاري في حقوق الخلق ، وهذا الحديث في عبادة الخالق . يبين ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند النسائي : أول ما يحاسب العبد عليه صلاته ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء . أيها المسلم : ستسأل في ذلك الموقف عن الصلاة ، فإن صلحت فقد أفلحت ونجحت ، وإن فسدت خبت وخسرت ، فانظر موقع الصلاة من قلبك ، وهل أتممتها أم نقصتها ، وهل لك من تطوع ؟ فإن التطوع يتمم ما نقص من فريضتك ، ثم تؤخذ بقية الأعمال على ذلك . وستسأل عن الزكاة ، فإن كنت بخلت بها فاقرأ قوله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السموات والأرض ، والله بما تعملون خبير . ولا يغب عن ذهنك قوله عز وجل : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون . ومن حديث علي رضي الله عنه عند الطبراني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ، ويعذبهم عذابا أليما . معاشر المسلمين : إن ممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله ، آكل الربا ، قال جل وعلا : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . ومدمن الخمر ، وعاق والديه ، والديوث ، والمنان ، والمسترجلة من النساء . فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث ، الذي يقر في أهله الخبث . وفي حديث آخر : ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى . أخرجهما الإمام أحمد . وعند الطبراني من حديث عمار : ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث ، والرجُلة من النساء ، ومدمن الخمر . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله المتكبرون ، قال عليه الصلاة والسلام : يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة ، في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان . رواه الترمذي . ومن المتكبرين من جر إزاره ، قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه ، والمنفق سلعته يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الغادرون ، فلكل غادر لواء عند استه يوم القيامة . رواه مسلم من حديث أبي سعيد ، رضي الله عنه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء ، فقيل : هذه غدرة فلان بن فلان . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : أصحاب الغلول ، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ومعنى الآية : أن كل من غل يأتي يوم القيامة حاملا ما غله على ظهره أو رقبته ، معذبا بما حمله ، مما يزيد في فضيحته ، ويزيد من هوانه على رؤوس الأشهاد . فليحذر الحكام ، والعمال ، والموظفون ، ومندوبو المشتريات ، ورؤساء المشاريع ، والمديرون ، والمنتدبون ، ومن ولي أمرا من أموال العامة ، فهي بين أيديهم ، فإن رجلا دخل النار ، وقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شملة غلها . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : آكل مال اليتيم ، ومغتصب أرض الغير ، قال جل وعلا : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من أخذ شبرا من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة من سبع ارضين . رواه البخاري . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : العلماء يكتمون علمهم ، من سئل علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . والحكام يحتجبون عن رعاياهم ، قال صلى الله عليه وسلم : من ولي من أمور المسلمين شيئا فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم ، احتجب الله عنه يوم القيامة دون خلته وحاجته وفاقته وفقره . رواه أبو داود والحاكم بإسناد صحيح . وأناس يكذبون في أيمانهم ، وفي رؤاهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم : رجل حلف على سلعته ، لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي ، وهو كاذب . ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، ورجل منع فضل ماء ، فيقول الله يوم القيامة : اليوم أمنعك فضلي ، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك . رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفيه أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : من تحلم بحلم لم يره ، كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه ، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة . والسحرة والمشعوذون ، فالساحر : ماله في الآخرة من خلاق . والسحر أحد السبع الموبقات . والقاذفون للمحصنات الغافلات المؤمنات ، قال تبارك وتعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ، ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعلمون أن الله هو الحق المبين . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الذي يسأل الناس وعنده من الرزق ما يكفيه ، فيسأل تكثرا . قال عليه الصلاة والسلام : من يسأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوما في وجهه , قيل : يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب . رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني . فاتقوا الله عباد الله ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . جعلني الله وإياكم ممن قال فيهم : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . بارك الله لي ولكم ..... الخطبة الثانية : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما أمر ، واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إرضاء له ، وإرغاما لمن جحد به وكفر . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الشافع المشفع يوم المحشر ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر ، وسلم تسليما . أما بعد ،،، فأوصيكم بتقوى الله ، فمن اتقى الله وقاه ، ومن توكل على الله كفاه ، ومن سأل الله أعطاه ، ومن اكتفى به أعزه وأغناه ، ونصره وآواه . واعلموا أن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ن وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ،،، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ، ثم اعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم ، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم ، وقدموا عذركم ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . أيها المسلمون : في ذلك اليوم العصيب يأمن أناس فلا يخافون ، ويهنأ أناس فلا يحزنون ، منهم سبعة يظلهم الله في ظله ، وأناس تحابوا في جلال الله ، وأناس مشوا إلى الصلاة في دياجير الظلمات ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وأناس كانوا إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت
عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . كانوا يسبحون الله بالغدو والآصال ، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها . رواه أبو داود . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله : أهل الصدقات ، وأهل الصبر ، والقنوت ، والشهداء ، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار . ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، العلماء الربانيون ، والدعاة المخلصون قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . وقال جل وعلا : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله من أنظر معسرا ، قال جل وعلا : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وقال صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . رواه أحمد . وعند مسلم : من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله المصلحون بين الناس ، قال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما . وقال عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين . معاشر المسلمين : من أحق الناس بالأمن يوم العرض الأكبر على الله ، من أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام من صلى علي حين يصبح عشرا ، وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة . رواه الطبراني . وقال عليه الصلاة والسلام : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات . رواه النسائي والحاكم . وأحمد دون رفع له عشر درجات . وعند الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ، هذا ، وقد قال الله تبارك وتعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما